أخر الاخبار

خصائص القانون الجنائي I مقدمة في القانون الجنائي العام والخاص

 ما هي خصائص القانون الجنائي؟

تحدثنا في مقالات سابقة عن تعريف القانون الجنائي و أهمية القانون الجنائي ودوره في المجتمع، ويتناول هذا المقال خصائص القانون الجنائي التي يتميز بها وينفرد بها عن غيره من القوانين في الدولة القانونية.

 

ما هي خصائص القانون الجنائي؟
خصائص القانون الجنائي

والقوانين الجنائية تتمتع بمجموعة من الخصائص الموضوعية والشكلية التي يجب التزامها عند سن التشريعات الجنائية، ويمكن وصفها بضوابط وقيود إصدار نصوص التجريم والعقاب، وتشكل في مجموعها ما يعرف بـ " خصائص القانون الجنائي ".

 

خصائص القانون الجنائي من الناحية الشكلية:

 

يتمتع القانون الجنائي بمجموعة من الخصائص الشكلية أو الإجرائية التي تتعلق بالسلطة التي تملك إصداره، والقالب القانوني المقبول الذي يجب أن تصدر فيه القاعدة الجنائية، ويمكن إجمال الخصائص الشكلية للقانون الجنائي فيما يلي:

 

  • القانون الجنائي فرع من فروع القانون العام.
  • القانون الجنائي تحركه المصلحة الاجتماعية.
  • القانون الجنائي قانون مكتوب.
  • القانون الجنائي سلطة منفردة للدولة.
  • القانون الجنائي يخاطب المستقبل ولا يرتد بقواعده إلى الماضي.
  • القانون الجنائي لا يفسر إلا تفسيراً ضيقاً وفقاً لغاية المشرع.
  • القانون الجنائي يقوم على مبدأ المساواة.


وإلى جانب ذلك يتمتع القانون الجنائي بمجموعة من الخصائص الموضوعية التي تميز نصوصه عن غيرها من النصوص القانونية داخل الدولة القانونية.

 

خصائص القانون الجنائي من الناحية الموضوعية:

 

وتعني هذه الخصائص مجموعة السمات التي يجب أن تتصف بها كافة النصوص الجنائية أياً ما كان مضمونها وفحواها، ويمكن إبراز أهمها فيما يلي:

 

  1. القانون الجنائي يرتكز على التجريم والعقاب.
  2. القانون الجنائي قانون واضح ومحدد.
  3. القانون الجنائي مرتبط باحترام حقوق الإنسان.
  4. القانون الجنائي يحدد البنيان القانوني للجريمة.
  5. القانون الجنائي يضع مفترضات أولية لإمكان توقيع العقوبة.
  6. القانون الجنائي قانون متطور يواجه مستجدات الإجرام.
  7. القانون الجنائي قانون خطير ونتائج تطبيقه خطيرة.

 

وتبرز مجموعة المبادئ السابقة صفات القانون الجنائي التي يجب أن تظهر في نصوص التجريم الجنائي والعقاب وإلا فقد شرعيتها القانونية والدستورية.

 

أولاً: الخصائص الشكلية للقانون الجنائي:


القانون الجنائي يتبع طائفة القانون العام:


يعتبر القانون الجنائي فرع من فروع القانون العام، وطائفة القانون العام هي التي تضم مجموعة القوانين التي تنظم العلاقة بين الفرد والدولة كالقانون الإداري والقانون الدستوري وقانون العقوبات ...الخ.

 

فبما أن الدولة هي التي تحدد الأفعال والامتناعات التي تعتبر جرائم جنائية وتحدد العقوبات التي يجب توقيعها على مرتكبي هذه الجرائم فإن القانون الجنائي يعتبر في مقدمة فروع القانون العام.

 

ويترتب على اعتبار القانون الجنائي من ضمن طائفة القانون العام أنه:

 

  1. لا يجوز الاتفاق على مخالفة قواعد القانون الجنائي.
  2. رضاء المجني عليه لا يبيح الجريمة كقاعدة عامة.
  3. العقوبة شخصية ولا يجوز توقيعها على أي شخص غير مرتكب الجريمة لأي سبب.

 

إضافة إلى كافة الصفات التي تتمتع بها القوانين التي تتبع طائفة القانون العام، وتنظم العلاقة بين الفرد والدولة.

 

القانون الجنائي لا تستجلبه إلا مصلحة اجتماعية مؤكدة:

 

على الرغم من أن الدولة القانونية هي التي تحتكر سلطة التجريم والعقاب إلا أن هذه السلطة ليست مطلقة بلا ضوابط بل يجب أولاً أن تكون هناك ضرورة اجتماعية حتى تتدخل الدولة باستخدام نصوص القانون الجنائي.

 

فمن أهم خصائص القانون الجنائي أنه ينطلق من ضرورة اجتماعية تتمثل في حماية حق أو مصلحة ما سواء كانت هذه المصلحة فردية أو اجتماعية، أو لمعالجة مشكلة أو وضع ما تستلزم التدخل بسطوة التجريم والعقاب التي يحملها القانون الجنائي.

 

القانون الجنائي لابد وأن يكون مكتوباً:

 

من أهم صفات القانون الجنائي أنه لابد وأن يكون مكتوباً وفقاً لما يقضي به مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، فهو لا يعرف إلا مصدر وحيد للتجريم والعقاب، ويترتب على ذلك أنه:

 

  • لا يصلح العرف كمصدر لقواعد القانون الجنائي.
  • لا تصلح قواعد الأخلاق أو العادات الاجتماعية مهما بلغت درجة قبولها أن تكون مصدراً للتجريم والعقاب.
  • لا يجوز القياس في تفسير النصوص الجنائية لخلق جرائم جديدة مماثلة لجرائم منصوص عليها في القانون.

 

فالنص الجنائي المكتوب هو القالب الشكلي الوحيد المقبول لأن يكون مصدراً للتجريم والعقاب في مجتمع دولة القانون.

 

القانون الجنائي يخضع لمبدأ انفراد التشريع:

 

في الدولة القانونية: لا يمكن أن تصدر نصوص القانون الجنائي التي تقرر ما يعد جرائم وتضع الجزاءات المقررة لها إلا من جانب الدولة ممثلة في سلطاتها المختصة دستورياً بذلك، فالقانون الجنائي لا يصدر إلا من المشرع.

 

من هو المشرع؟ هو السلطة التشريعية المختصة بإصدار القوانين أي مجلس الشعب أو مجلس الأمة بحسب تسميته في كل بلد، فمن أبرز خصائص القانون الجنائي أنه حكر على الدولة وفقاً للضوابط الدستورية التي تنظم ذلك.

 

ويتسق ذلك مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يحكم الغالبية العظمى من القوانين الجنائية في كافة دول العالم، والذي يقضي بأنه: " لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون أو بناء على قانون ". فالتجريم والعقاب هو اختصاص الدولة المنفرد.

 

القانون الجنائي يخاطب المستقبل ولا يجرم وقائع الماضي:

 

ومجال هذه الصفة من صفات القانون الجنائي هو إنشاء الجرائم الجنائية، فالقانون الجنائي حين ينشئ جريمة جديدة ويقرر تجريم سلوك ما من سلوكيات الأفراد لابد وأن يجعل مجال الحظر فيما يحدث في المستقبل من وقائع.

 

فلا يجوز أن تصدر قاعدة قانونية بالتجريم الجنائي عن أفعال حدثت في الماضي فذلك يهدم مبدأ الشرعية الجنائية تماماً ويعرض حقوق وحريات الأفراد لأخطار جسيمة فلا يمكن المعاقبة عن فعل لم يكن محظور وقت ارتكابه.

مقدمة في القانون الجنائى
مقدمة في القانون الجنائي

 

القانون الجنائي لابد أن يفهم في إطاره المناسب والمحدود:

 

نظراً لخطورة قواعد القانون الجنائى وخطورة النتائج المترتبة على تطبيقها كان لابد على القاضي الجنائي ألا يتوسع في تفسير نصوصه بالشكل الذي يجعلها قابلة للتطبيق على أكبر عدد من الوقائع.

 

فعند تفسير النصوص الجنائية يفرق الفقه بين ما يعرف بالتفسير الواسع للنصوص الذي يضخم مجال تطبيقها، والتفسير الضيق الذي يقصر تطبيقها على ظاهر النص والتفسير الغائي الذي يبحث عن إرادة المشرع من النص ويطبقها.

 

ومن أهم سمات القانون الجنائي أنه لابد أن يفسر تفسيراً غائياً يحقق إرادة المشرع من القاعدة الجنائية مع الالتزام بنهج التفسير الضيق الذي يتجنب خلق جرائم جنائية جديدة تحت ستار تفسير النص الجنائي أثناء تطبيقه.

 

القانون الجنائي يرتكز على مبدأ المساواة بين الأفراد:

 

أضحت من أهم خصائص القانون الجنائي التزامه دائماً بمبدأ المساواة بين الأفراد في تطبيق أحكامه وبعده كل البعد عن التمييز أو التحكم لأي سبب كان، وهي إحدى القيم العالمية التي تصطبغ بها التشريعات الجنائية في كافة الأنظمة.

 

فأصبح مبدأ المساواة في القانون الجنائي قيمة دستورية تمثل أحد أهم ركائز الشرعية الدستورية للقانون الجنائي، كما أنها قيمة دولية اتفق على ضرورة وجودها المجتمع الدولي بأسره تقريباً وأصبح من غير المقبول إنكارها أو تجاهلها.

 

هل المساواة تعني العدل؟

 

ولكن لمبدأ المساواة في مجال القانون الجنائى مضمونه الخاص الذي يكفل تحقيق العدالة، فالمساواة ليست مقصودة في ذاتها وإنما غاية المساواة هي تحقيق العدل. بل ان تطبيق المساواة بطريقة صماء جامدة قد يكون هو الظلم بعينه.

 

فالمساواة في القانون الجنائي تعني أولاً المساواة في الخضوع لنص التجريم والعقاب دون مفاضلة أو محاباة، ثم تعني ثانياً المساواة بين أصحاب المراكز القانونية والأوضاع المتساوية كفئة محددة قد تختلف معاملتها قانوناً بما يناسبها.

 

مثال ذلك: تشديد العقاب على فئة المجرمين العائدين معتادي الإجرام، وتشديد المشرع لعقوبة بعض الجرائم إذا ارتكبت من الموظف العام، أو تقرير أسباب معينة للإباحة بشأن بعض الجرائم تعفي أصحابها من الخضوع لنص التجريم وهكذا.

 

ثانياً: الخصائص الموضوعية للقانون الجنائي:


القانون الجنائي قانون صارم:


يأتي في مقدمة خصائص القانون الجنائي أنه يرتكز على سطوة الأمر والنهي بالتجريم والعقاب، فالقاعدة الجنائية هي أخطر أنواع القواعد القانونية حال مخالفتها، ويترتب على عدم الالتزام بها توقيع العقوبة في مواجهة المخالف.

 

وتكفل الدولة تطبيق أحكام القانون الجنائي قسراً وقهراً من خلال سلطات الدولة العامة وأجهزتها المختلفة التي تتولى تحقيق الجرائم والبحث عن الأدلة وتقديم المتهمين للمحاكمة وتوقيع الجزاءات والعقوبات على المخالفين.

 

القانون الجنائي قانون واضح ومحدد:

 

من أهم سمات القانون الجنائي التي لا خلاف عليها هي صفتي الوضوح والتحديد التي يجب أن تتصف بها النصوص الجنائية، فعلى قدر خطورة أحكام التشريعات العقابية تظهر الحاجة إلى ضرورة التبصير بها وفهمها جيداً ولذلك:

 

  • تقتضي صفة الوضوح: أن تكون نصوص التجريم والعقاب واضحة في مضمونها ومفهومة لعامة الناس الذين لا يتسمون بعلو مداركهم ولا بانحدارها.
  • وتقتضي صفة التحديد: أن يكون نص التجريم واضحاً في إرسال تكليف المشرع إلى الأفراد، وأن يكون نص العقاب محدداً في تقريره للعقوبة.
  • ونتيجة لصفتي الوضوح والتحديد: يتحقق الردع العام في المجتمع من خلال صرف إرادة المجموع عن التفكير في ارتكاب الجرائم.


كما تكفل صفتي الوضوح والتحديد شرعية التجريم والعقاب في الدولة، وزيادة القيمة الإقناعية للقاعدة القانونية الجنائية لدى المخاطبين بأحكامها وخلق الثقة في منظومة العدالة الجنائية.

 

القانون الجنائي مرتبط باحترام حقوق الإنسان:

 

لا شك أنه أصبح من أهم خصائص القانون الجنائي في المجتمعات الحديثة هو ضرورة احترامه لمبادئ وقيم حقوق الإنسان، فالعقوبة الجنائية ليست انتقاماً من الجاني ولا تهدف إلى إهدار كرامته، وبناء على ذلك:

 

  • يجب ألا يتضمن القانون الجنائي عقوبات قاسية أو مفرطة أو مهينة.
  • يجب ألا تتجاوز العقوبة الجنائية مقدار اقتضاء حق المجتمع والمجني عليه في الجريمة.
  • يجب ألا يتجاوز التجريم الجنائي حماية الحقوق والمصالح الجديرة بالحماية الجنائية.

 

ومما لا شك فيه أن توقيع العقوبة الجنائية يتضمن بلا جدال انتقاصاً من حقوقه وتهويناً من قدره وهذا مقبول للحفاظ على سطوة الجزاء الجنائي، ويعتبر نتيجة معادلة لارتكاب الجريمة ولكن لا يجب أن يتجاوز هذا القدر بأي حال.

 

القانون الجنائي يحدد البنيان القانوني للجريمة:

 

باعتبار صفة التحديد من أهم خصائص القانون الجنائي؛ فـ الجريمة في القانون الجنائى هي فكرة محددة لها مضمونها الخاص وبنيانها القانوني الذي لا تكتمل بدونه.

 

فالقانون الجنائي قد رسم هيكلاً عاماً لابد أن ينطبق كقاعدة عامة على كل الأفعال التي تعتبر جرائم، فأركان الجريمة هي:

 

  1. الركن المادي للجريمة.
  2. الركن المعنوي للجريمة.

 

فلابد أن يكون لكل جريمة ركناً مادياً يتمثل في الفعل أو الامتناع المحظور قانوناً، كما أن لكل جريمة ركناً معنوياً نفسياً يعبر عن النية الإجرامية والإرادة الآثمة التي اتجهت إلى مخالفة القانون وبالتالي فهي جديرة بالعقاب.

 

القانون الجنائي يضع مفترضات أولية لإمكان توقيع العقوبة:

 

تعتبر صفة الواقعية من أهم خصائص القانون الجنائي، ويتجلى ذلك في تنفيذ العقوبات الجنائية على مرتكبي الجرائم. فالقانون الجنائي لا يطبق العقوبات بطريقة آلية جامدة على كل من يرتكب الجريمة، وإنما لابد أن يكون المحكوم عليه أهلاً لتنفيذها.

 

ويكون مرتكب الجريمة أهلاً لتحمل العقوبة إذا كان مؤهلاً لإدراك معنى العقوبة والشعور بنتائجها والربط بينها وبين الجريمة برابطة السبب بالمسبب، فإن فقد الإنسان هذا التمييز وهذه القدرة على إدراك معنى العقوبة فلا جدوى من العقوبة.

 

ولذلك لا يعاقب القانون الجنائي كقاعدة عامة المجنون وفاقد الأهلية، كما يستبدل العقوبات الجنائية في بعض الأحيان بإجراءات أو أنظمة بديلة بشأن ناقصي الأهلية والصغار ومن هم على شاكلتهم.

 

ويعرف القانون الجنائي أيضاً مبدأ تفريد العقوبة الجنائية الذي يقضي بتوقيع العقوبة الجنائية المناسبة على شخص كل جاني بما يتناسب مع شخصيته وتكوينه، وذلك في الحدود المرسومة قانوناً.

 

القانون الجنائي قانون متطور يواجه مستجدات الإجرام:

 

يجب أن يتميز القانون الجنائي في الدولة الحديثة باليقظة وبعد الرؤية أثناء حماية المجتمع من الأخطار الجسيمة التي تهدده وتهدد أفراده، فمظاهر الإجرام في تطور مستمر ويجب أن يقابل ذلك تطور مقابل في التجريم والعقاب.

 

لقد تعقدت الجريمة كثيراً في الآونة الأخيرة وتعقدت وسائل ارتكابها وأصبحت سهلة جدا في بعض الأحيان بل ومغرية لضعاف النفوس، وقد ساهمت في ذلك الثورة التكنولوجية التي لا تتوقف في جميع المجالات.

 

شرح القانون الجنائى العام
شرح القانون الجنائي العام

لذلك فمن أهم خصائص القانون الجنائي الحديث أنه يجب أن يكون مرناً متطوراً وعلى درجة عالية من الكفاءة التي يستطيع من خلالها مجابهة أكبر قدر ممكن من مظاهر الانحراف السلوكي في المجتمع.

 

ويتطلب ذلك سلطة تشريعية على درجة عالية من الخبرة والكفاءة والواقعية والإلمام بمظاهر التطور الاجتماعي المتزايدة والتي تجلب معها تنام متزايد في مخالفات القانون والاعتداء على المجتمعات والأفراد.

 

خاتمة: تتلخص أهم خصائص القانون الجنائي التي تميزه عن غيره من القوانين في كونه قانون مكتوب يصدر عن السلطة التشريعية حصراً بأثر فوري ومباشر لا يرتد إلى الماضي في صورة نصوص واضحة ومحددة تتولى السلطة العامة تنفيذها قهراً.



تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -