ط
أخر الاخبار

تفريد العقوبة وحدود سلطة القاضي الجنائي في تفريد العقاب

تفريد العقوبة:

تُظهر سلطة القاضي الجنائي في تفريد العقوبة، الدور الخلاق للقاضي الجنائي في تطبيق العقوبة الجنائية، إنها عملية معقدة تستلزم قدراً عالياً من الحكمة والبصيرة والكفاءة القانونية لدى القاضي الجنائي.

 فإنزال العقوبة التي جاءت في صورة نص قانوني موضوعي عام ومجرد على أشخاص تتفاوت طبائعهم ومدى خطورتهم الإجرامية ودرجة الإذناب التي يجب أن يحاسب عنها كل منهم ليس بالأمر اليسير على الإطلاق.

 

لماذا يمنح القانون للقضاة سلطة تفريد العقوبة؟ حدود السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تفريد العقوبة. القيمة الدستورية لمبدأ تفريد العقاب. إساءة استعمال السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تفريد العقوبة. عيوب (مثالب) مبدأ التفريد القضائي للعقاب.
تفريد العقوبة وحدود سلطة القاضي الجنائي في تفريد العقاب


ومن أجل الموائمة والتوفيق بين النظرية والتطبيق عند إنزال العقوبة، تمنح القوانين عادة لرجال القضاء سلطة تفريد العقوبة بما يناسب وقائع كل دعوى معروضة أمامهم، وملابسات كل جريمة وظروف مرتكبيها. ويمكن الحديث عن مبدأ التفريد القضائي للعقوبة من خلال المحاور التالية:

 

  • لماذا يمنح القانون للقضاة سلطة تفريد العقوبة؟
  • حدود السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تفريد العقوبة.
  • القيمة الدستورية لمبدأ تفريد العقاب.
  • إساءة استعمال السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تفريد العقوبة.
  • عيوب (مثالب) مبدأ التفريد القضائي للعقاب.


أساس سلطة القاضي الجنائي في تفريد العقاب:


دأب المشرع على وضع الجزاءات الجنائية لمواجهة الجريمة وخطورة مرتكبيها على هدْي ماديات موضوعية وشخصية ماثلة، متوخياً درء خطر حال أو محتمل عن مصلحة ارتأى أنها جديرة بالحماية القانونية.


غير أن مدى تناسب العقوبة بالنسبة لشخصية مقترف الفعل المجرَّم، يبقى غير مقطوع به من ذي بدء ولا يمكن تحديده سلفاً لاعتماده على عناصر يستعصي عليه حصرها بشكل مسبق.

 

لذلك نراه قد درج على تحديد الجزاء الذي يبدو له عادلاً حيال مجرم عادي ذي ظروف عادية، مسلماً في ذات الحين، باحتمال عدم ملائمته لمجرم آخر له من الظروف التي لم تكن بباله حين سن قاعدة التجريم.


ومن هنا، وجب على المشرع أن يمنح القاضي الجنائي سلطة تقديرية في تفريد العقوبة الجنائية وفقاً للحدود المناسبة التي يقدرها المشرع بما يحقق التطبيق العادل والفعَّال للقانون.

 

ولذلك؛ يقوم القاضي الجنائي من خلال ما يتمتع به من سلطة تقديرية، بتكملة عمل المشرع حينما يجتهد في استخراج التحديد الواقعي للعقوبة من خلال التحديد التشريعي المجرد، ابتغاء إحداث المواءمة بين تجريدية التحديد وواقعيته.

فالقاضي يحقق حماية القانون ذاته ضد " مرض عدم الفاعلية " إن صح التعبير.

 


مصدر سلطة القاضي في تفريد العقاب:

 


إن مصدر سلطة القاضي في تفريد العقاب هو القانون ( النص التشريعي ذاته الذي قرر العقوبة ) وذلك التزاماً بمبدأ شرعيةالجرائم والعقوبات بما يفرضه من ضرورة حصر مصادر التجريم والعقاب في النص القانوني المكتوب الذي يجب أن يكون واضحاً ومحدداً في مبناه ومعناه " انظر تفصيلاً في مبدأ وضوح وتحديد النصوص الجنائية 👈  من هنا ".

 


وتتعدد الصور التي يمكن أن يمنحها المشرع الجنائي للقاضي بغرض تفريد العقوبة وصولاً إلى التطبيق الأمثل لنصوص العقوبات الجنائية على الوقائع الإجرامية المختلفة، فداخل طائفة الجنايات يستطيع القاضي المفاضلة بين عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن.

 


وبشأن العقوبات السالبة للحرية وهي الصورة الغالبة للعقوبات الجنائية؛ يضع المشرع العقوبات الجنائية ما بين حدين أدنى وأقصى للعقوبة يستطيع القاضي الجنائي أن يتحرك بالعقوبة الجنائية – تشدداً أو رأفة – بينهما بحسب الظروف والملابسات الواقعية التي صاحبت ارتكاب الجريمة وبحسب شخصية كل محكوم عيه وسوابقه الإجرامية ومدى جدارته بالعقاب.

 


كما يستطيع القاضي الجنائي الحكم بوقف تنفيذ العقوبة الجنائية وفقاً لشروط معينة، كما له أن ينزل درجة بالعقوبة إذا ارتأى ملائمة استعمال الرأفة مع المتهم بناء على نص المادة (17) من قانون العقوبات المصري على سبيل المثال.


وذلك كله تحقيقاً للتطبيق الأمثل للقانون بما يحقق أغراض العقوبة.

 

ما هو تفريد العقاب؟  تفريد العقاب PDF سلطة القاضي في تفريد العقاب أنواع تفريد العقوبة تفريد العقوبة في القانون الجنائي تفريد العقوبة في القانون العراقي آثار التفريد العقابي التفريد التنفيذي مفهوم التفريد
تفريد العقاب



إن جوهر مبدأ تفريد العقوبة هو: " تحقيق ملائمة الجزاء الجنائي والمعاملة العقابية للقدرات والصفات الشخصية لكل مجرم على انفراد، وتحقيق تناسب العقوبة مع الجريمة نفسها ذلك بقصد تحقيق التأهيل الذي يستهدفه العقاب ".

 


القيمة الدستورية لمبدأ تفريد العقوبة:

 


ولا شك أن مبدأ تفريد العقوبة يحقق العدل ويدعم مبدأ المساواة في القانون الجنائي، إذ أن المساواة في مجال التجريم والعقاب ليست مساواة حسابية أو مطلقة فهذه المساواة قد تؤدي إلى الظلم بعينه.



وإنما المساواة يجب أن تكون نسبية تراعى فيها ظروف كل حالة على حدة وفق ضوابط معينة، فالمساواة لا تكون إلا بين أصحاب المراكز القانونية المتساوية.

 


وفي القيمة الدستورية لتفريد العقوبة يقول السيد الأستاذ الدكتور/ أحمد فتحي سرور في كتابه "نظرات في عالم متغير" أنه:


" لا شك في القيمة الدستورية لمبدأ تفريد العقوبة الجنائية، استناداً إلى ما يتضمنه من مبادئ الحق والعدل والمساواة، والمضمون الشامل لواجب الدولة تجاه جميع المواطنين أبرياء كانوا أو آثمين.

 


وقد اعتبرت المحكمة الدستورية العليا المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية بما تتطلبه من تفريد العقوبة مما يدخل في إطار مبادئ الدستور، وهو مسلك يتفق مع سلطة المحكمة في تطوير مفاهيم القواعد الدستورية بما يجاري مقتضيات التطور ".

 


إساءة استخدام السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تفريد العقوبة:

 


ماذا يعني تفريد العقوبة؟  تفريد العقوبة PDF أنواع تفريد العقوبة تفريد العقوبة في القانون الجنائي المغربي تفريد العقوبة في القانون السعودي سلطة القاضي في تفريد العقاب التفريد القضائي آثار التفريد العقابي تفريد الجزاء الجنائي
تفريد العقوبة



على الرغم من الأهمية والقيمة الكبيرة لمبدأ تفريد العقوبة الجنائية في السياسة الجنائية الحديثة؛ إلا أن عدم وضع قواعد محددة – تشريعياً – تحدد ضوابط استعمال القاضي لسلطته في تفريد العقوبة.


 حيث أنه يترتب على هذه السلطة تفاوت العقوبات المحكوم بها على مرتكبي نفس الفعل، يثير قلق فقه القانون الجنائي من هذه الزاوية.

 


وأصدق ما يعبر عن ذلك: ما كتبه السيد الأستاذ الدكتور/ أحمد عوض بلال في مؤلفه المميز (مبادئ قانون العقوبات المصري القسم العام) من أنه:

 


" برغم ما يضفيه مبدأ التفريد القضائي للعقوبة من مرونة على تطبيق العقاب من الناحية العملية، إلا أن هذا لا ينفي ما يقترن به من مثالب.



ولعل أوضح هذه المثالب فتح الباب أمام التحكم القضائي والإخلال الجسيم بميزان العدالة من خلال التفاوت الواضح بين "جرعات" العقاب التي ينطق بها القضاة إزاء مرتكبي أفعال متماثلة.

 


حتى أن مصائر المتهمين قد لا تحددها في نهاية المطاف سوى اعتبارات عرضية بحتة، كالتفاوت في أسس تقدير العقاب التي يلجأ إليها القضاة.


وبعضها قد يعود إلى المزاج الشخصي للقاضي أو الأفكار المسبقة لديه أو البيئة التي نشأ فيها أو التأثر بالضغوط الخارجية، لاسيما تلك التي يكون مصدرها الرأي العام.

 


فإذا وضع القانون لجريمة معينة عقوبتي الحبس والغرامة بين حدين أدنى وأقصى وخير القاضي في النطق بإحداهما، فإن القاضي (أ) قد يختار النطق بالحد الأدنى لعقوبة الغرامة، بينما يجوز للقاضي (ب)، في قضية مماثلة، اختيار النطق بالحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، وكلاهما يكون قد استعمل سلطته التقديرية في حدود القانون.

 


بل إن التفاوت في مصائر المتهمين قد يلاحظ في القضية الواحدة عندما يتعدد المساهمون في الجريمة ويحكم عليهم بجرعات متفاوتة من العقاب، على الرغم من تفاوت أدوارهم في ارتكابها.

 

ولذلك؛ يجب ضبط الأمر تشريعياً من جانب المشرع بشكل مسبق كلما وجد إلى ذلك سبيلا

 

المصادر:

  • R. SALEILLES: L'individualisation de la peine, F. Alcan, 3e éd, paris, 2001, p. 141.
  • د/ حاتم حسن موسى بكار، سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة والتدابير الاحترازية.
  • د/ جلال ثروت، علم الإجرام وعلم العقاب.


شاهد أيضاً:


مبدأ شخصية العقوبة.


مبدأ قضائية العقوبة.


مبدأ إنسانية العقوبة.



واحة القانون

law oasis


             

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -