ط
أخر الاخبار

الجزاء الجنائي

ما هو الجزاء الجنائي وما هي ضرورته؟

الجزاء الجنائي هو التعبير الواقعي عن الاستهجان الاجتماعي تجاه من خالف أهم القواعد الآمرة في المجتمع، واعتدى على حق المجتمع في أمنه واستقراره وحقوق غيره من الأفراد عن طريق ارتكابه للجريمة الجنائية.

فالجزاء الجنائي هو رد الفعل الحقيقي الذي يتم اتخاذه في مواجهة الجريمة لتحقيق العدالة، وجبر الأضرار التي ترتبت على ارتكاب الجريمة ولحقت بالمجني عليه وانتقصت من حقوقه، وكذلك الأضرار التي لحقت بالمجتمع ككل.

العقوبة
الجزاء الجنائي

وذلك من حيث وجود شعور عام باستنكار الجريمة ووجود شعور لدى أعضاء الجماعة بعدم الأمان والخوف من تكرار الجريمة.

لاسيما، وقد أصبح هناك التزام دستوري صريح على عاتق المشرع الجنائي أن يجنب الأفراد مثل هذا الشعور وأن يكفل الإحساس العام بالأمن والطمأنينة لدى الأفراد بموجب نص المادة (59) من الدستور التي قررت أن:

" الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها ".

الجزاء الجنائي يكفل رد الفعل الاجتماعي المناسب في مواجهة الجريمة:

كما يكفل الجزاء الجنائي إرضاء مشاعر المجني عليه في الجريمة الجنائية ومشاعر ذويه، ويغنيهم عن اللجوء إلى اقتضاء حقوقهم بشكل فردي تنتشر معه الفوضى وضياع الحقوق، ويقود إلى تردي اجتماعي لن يتوقف.

فالجزاء الجنائي الذي يوقَّع من جانب الدولة على مرتكب الجريمة بناء على قواعد محددة، ويتم تنفيذه بصورة منظمة، هو الوسيلة الأنسب للرد على ارتكاب الجرائم بصورة حاسمة وقوية، دونما الإخلال بالسلام الاجتماعي.

الجزاء الجنائي مرَّ بالكثير من مراحل التطور:

وقد شهد الجزاء الجنائي من حيث تقديره وإقراره وتنفيذه، مراحل عديدة من التطور على مدار التاريخ البشري، عانت خلالها البشرية أشكالاً من الانتقام الفردي والوحشية والبطش بالخصوم، والظلم وإساءة التقدير، والانتقائية وعدم المساواة في تنفيذ العقوبات باسم اقتضاء الجزاء الجنائي.

إلى أن وصل التقدم البشري إلى درجة من الوعي توجب على المجتمعات الحديثة وضع قواعد عادلة ومقبولة وفعَّالة تخص جميع مراحل إنزال الجزاء الجنائي في مواجهة المسئول عن ارتكاب الجريمة.

ضمانات الدستور بشأن الجزاء الجنائي:

وتحرص الدول عادة على إقرار هذه القواعد في دساتيرها إعلاناً منها عن ديمقراطيتها وتطورها حتى ولو لم تكن كذلك من الناحية الواقعية، فالقيم الإنسانية للعدالة الجنائية في الوقت الراهن تأبى بشكل عام أن تتم صياغة نصوص الجزاء الجنائي خارج إطار هذه المفاهيم التي أصبحت ضمانات دستورية ملزمة لجميع سلطات الدولة الحديثة.

وقد حرص الدستور على تقرير عدد من المبادئ الدستورية الخاصة بالجزاء الجنائي، يمكن تناولها من خلال التقسيم التالي:

الضمانات الدستورية السابقة على وضع نصوص الجزاء الجنائي:

يفرض الدستور عدداً من المبادئ الإلزامية التي يجب على المشرع مراعاتها عند إقراره للعقوبات الجنائية، سواء من حيث مصدر هذه العقوبات والقالب القانوني الذي يجب أن تخرج فيه، ومقدار الإيلام الذي يجب أن تتضمنه بشأن كل جريمة توقع من أجلها.

ليكون ذلك الإيلام متناسباً مع مقدار الإثم ودرجة الإذناب لدى الجاني، فيصبح تنفيذ العقوبة مقبولاً ومبرراً ومحققاً لأهدافها، ومتوافقاً في الوقت ذاته مع القيم والمبادئ الإنسانية والاجتماعية التي تنهض عليها الدولة.

ويخاطب الدستور المشرع الجنائي بهذه المبادئ على سبيل الإلزام، فلا سلطة تقديرية للمشرع في هذه المرحلة من مراحل إقرار نص الجزاء الجنائي.

ويأتي في صدارة هذه المبادئ أو الضمانات الدستورية التي تخص الجزاء الجنائي؛ مبدأ الشرعية الجنائية في شقّه العقابي، وما يرتبه من التزامات تقع على عاتق سلطة تحديد الجزاء الجنائي، وسلطة الحكم به على الوقائع الإجرامية التي وضع النص من أجلها، وسلطة تنفيذه على المحكوم عليه.

إضافة إلى مبدأ وضوح وتحديد نصوص الجزاء الجنائي بما يكفل تحديد نطاق سلطة القاضي الجنائي في توقيع الجزاءات الجنائية.

فضلاً عن مبدأ التناسب بين الجزاء الجنائي والجريمة، وحظر العقوبات القاسية أو المهينة لمجافاتها لأغراض الجزاء الجنائي، وعصفها بالقيم التي تقوم عليها المجتمعات المتحضرة، وحظر العقاب على الفعل الواحد أكثر من مرة بما يحمل معنى الانتقام من الجاني.

فضلاً عن مبدأ المساواة في توقيع الجزاء الجنائي بين المخاطبين بأحكامه ممن ارتكبوا ذات الأفعال المؤثَّمة، بما يحقق المضمون الحقيقي لمبدأ المساواة، ويترك المجال الفعال لسلطة القاضي الجنائي في تفريد العقاب.

الضمانات الدستورية الواجب توافرها في نصوص الجزاء الجنائي:

لا يكتفي الدستور بوضع المعايير الخاصة بإقرار قواعد الجزاء الجنائي، سواء من حيث مصدرها وهو نص القانون وحده، أومن حيث مقدارها الذي يجب أن يحترم القيم الإنسانية للمجتمعات البشرية،

وأن يحقق التناسب بين ما يعانيه الجاني من إيلام بالعقوبة وما يستحقه فعلياً من إيلام يكافئ إثمه وجرمه، أو من حيث نطاق تطبيقها الذي يجب - كقاعدة عامة - أن يسري على الكافة دون تمييز أو مفاضلة تحكمية في الخضوع للجزاء الجنائي.

فكل المعايير الدستورية السابقة تتعلق بمرحلة تحديد الجزاءات الجنائية التي لا يقف الدستور عند حدودها،

وإنما يتدخل الدستور بقواعده الآمرة للمشرع الجنائي، مقرراً جملة مبادئ تتخطى هذه المرحلة إلى المرحلة التالية، والتي فيها تطبيق الجزاءات الجنائية وتنفيذها، محاولاً الوصول بضمانات الحقوق والحريات الفردية التي يجب مراعاتها بشأن الجزاء الجنائي إلى أبعد مدى يمكن الوصول إليه.

ويأتي في مقدمة هذه المبادئ الدستورية مبدأ " شخصية الجزاء الجنائي "، بما يستلزمه من توجيه العقوبة الجنائية إلى شخص مرتكب الجريمة وحده، لأنها خطيئته التي يأبى المنطق والإحساس الفطري بالعدالة أن يتحمل عواقبها سواه.

ثم يأتي مبدأ " قضائية الجزاء الجنائي " ليحدد السلطة الوحيدة في الدولة التي تملك توقيع الجزاء الجنائي باسم المجتمع وهي السلطة القضائية، بما يفيد المجتمع والأفراد على حد السواء، ويحقق صالح جميع الأطراف في منظومة العدالة الجنائية.

وأخيراً، يدعم الدستور مبدأ " تفريد العقوبة " بالنسبة للمحكوم عليهم في الجرائم الجنائية، لينفي عن العقوبة الجنائية الحديثة وصفها بالجمود والآلية، ويمهد لها سبل تحقيق أهدافها النفعية وإصلاح المحكوم عليهم في ضوء ظروفهم الواقعية وطبائع شخصياتهم المتباينة.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -