أخر الاخبار

الدستور والنظرية العامة للجزاء الجنائي (العقوبة والتدابير الاحترازية)

المبادئ الدستورية للعقوبة الجنائية والتدبير الاحترازي:


يحرص الدستور دائماً على أن تشتمل نصوصه على المبادئ العامة التي تقوم عليها السياسة الجنائية العقابية، سواء بشأن العقوبات الجنائية أو التدابير الاحترازية، باعتبارهما صورتي الجزاء الجنائي الذي يطبق على من تثبت إدانته عن جريمة جنائية.


فتنفيذ الجزاء الجنائي يُظهر مدى احترام الحقوق والحريات الفردية من جانب السلطة العامة. لذا، كان من الطبيعي أن يحيطه الدستور ببعض الحدود العامة التي لا يجوز اقتحامها تحت أي ظرف، ملزماً المشرع أن يعمل بتشريعاته داخل إطار هذه الحدود.


المبادئ الدستورية للعقوبات والتدابير الاحترازية, الدستور والقانون الجنائي, القانون الجنائي الدستوري
الدستور والنظرية العامة للجزاء الجنائي (العقوبة والتدابير الاحترازية)


ويأتي في مقدمة المبادئ الدستورية للجزاء الجنائي:

  1. مبدأ شخصية العقوبة.
  2. ومبدأ المساواة في تطبيق العقوبة.
  3. ومبدأ قضائية العقوبة.
  4. ومبدأ حظر المصادرة العامة للأموال وألا تتم المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي.
  5. ومبدأ حظر اتخاذ التدبير الاحترازي صورة إبعاد المواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها أو أن يتخذ التدبير صورة حظر إقامة المواطن في جهة معينة، أو إلزامه بالإقامة فيها.
  6. وحق رئيس الجمهورية في العفو عن العقوبة واشتراط أن يتخذ العفو الشامل صورة القانون.
  7. ومبدأ حظر توقيع عقوبات سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر والعلانية.

وذلك على النحو التالي:


مبدأ شخصية العقوبة:


تقضي المادة (95) من الدستور بأن: " العقوبة شخصية، ........ " وهو ما يعبر عنه بمبدأ شخصية العقوبة.

ويعنى المبدأ أن " العقوبة الجنائية لا توقع إلا على من يعد مسئولاً عن الجريمة التي وضعت العقوبة من أجلها، باعتباره فاعلاً لها أو شريكاً فيها ".


ويعد مبدأ شخصية العقوبة نتيجة حتمية لقاعدة شخصية المسئولية الجنائية التي تأبى أن يدان شخص عن جريمة ليست من صنعه، ولا كاشفة عن إثم جنائي لديه. فالإجرام لا يحتمل الاستنابة في المحاكمة، والعقاب لا يحتمل الاستنابة في التنفيذ.

كما أن مبدأ شخصية العقوبة يتعلق بالنظام العام، فهو ليس مقرراُ لصالح الأفراد حتى يسمح لهم بالاتفاق على مخالفته، ومن ثم؛ لا يجوز لشخص أن يحل مكان من تقررت إدانته لكي تنفذ العقوبة فيه بدلاً منه، مهما بدت العلاقة قوية بينهما.


والنتيجة المباشرة التي تترتب على مبدأ شخصية العقوبة هي: انقضاء العقوبة الجنائية بوفاة المحكوم عليه، إذ لم يعد هناك محلاً لتنفيذها ولا مجالاً تتحقق فيه أغراضها. فالعقوبة لا تورَّث، ولا يمكن تنفيذها في أحد أصول المحكوم عليه أو أي شخص آخر لا إذناب لديه، ولا جُرم يلاحقه.


ولا يقدح في مبدأ شخصية العقوبة، تنفيذ العقوبات المالية والتعويضات وما يجب رده والمصاريف في تركة المحكوم عليه إذا توفى، وفقاً لنص المادة (535) من قانون الإجراءات الجنائية، تأسيساً على كونها التزامات مالية بالسداد، شأنها كسائر الديون في تركة المحكوم عليه.

كما لا يقدح في المبدأ المذكور وجود آثار نفسية أو اجتماعية أو مادية للعقوبة الجنائية قد تلحق بذوي المحكوم عليه أو دائنيه جراء توقيع العقوبة عليه، فهذه الآثار غير مباشرة وغير مقصودة، بل هي في حقيقتها آثار لعلاقة المحكوم عليه بذويه ومن يهتمون لأمره، وليست آثاراً مباشرة للعقوبة الجنائية.


مبدأ المساواة في تنفيذ العقوبة:


تنص المادة (53) من الدستور على أن: " المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر".


ومبدأ المساواة من المبادئ الدستورية التي تتصف بالشمولية، بحيث يجب تفعيله في كافة القوانين داخل الدولة، فيما تفرضه هذه القوانين من التزامات على عاتق المخاطبين بأحكامها، ونصوص التجريم والعقاب أولى القوانين بالتزام مبدأ المساواة، نظراً لخطورة الجزاء الجنائي وما يترتب على تنفيذه من آثار.


لذا، فإن المشرع يحدد العقوبة الجنائية متناسبة مع الجريمة التي توقع من أجلها، غير ملتفت إلى أشخاص بذواتهم أو وقائع بعينها، بحيث أنه يقرر أن هذه العقوبة تسري على كل من يرتكب هذه الجريمة، بصورة مجردة تكفل خضوع الكافة للنص العقابي.


بيد أن مبدأ المساواة أمام الجزاء الجنائي لا يعني المساواة المطلقة التي تقضي بإنزال ذات الجزاء الجنائي على كافة المخالفين للتكليف الجنائي، ولكنها مساواة من حيث الخضوع لنص التجريم والعقاب كمرحلة أولى، وبعدها، قد يرى المشرع التدخل - وفقاً للسياسة الجنائية التي يتبناها أو التزاماً بمبدأ دستوري جدير بالمراعاة - ليعدل مسار تلك المساواة تحقيقاً للعدالة.


فعادة ما يمنح المشرع للقاضي الجنائي سلطة تقديرية بشأن تخفيف العقاب وتشديده، ويسلمه العقوبة بين حدين أقصى وأدنى ليحكم في نطاقهما هبوطاً وصعوداً بما يحقق تفريد العقاب وفقاً لظروف المحكوم عليه وملابسات الواقعة محل الجريمة.


فالمساواة لا تعني أن يحكم بنفس العقوبة نوعاً وكماً على جميع الأشخاص الذين يرتكبون ذات الفعل، أو أن تنفذ عليهم العقوبة بذات الكيفية مع عدم الاعتداد بالظروف الواقعية المحيطة بالواقعة التي ينطبق عليها النص الجنائي، فتطبيق مبدأ المساواة على هذا النحو قد يهدم المبدأ عملياً.


لذا، فإن ما يعنيه مبدأ المساواة أن ذات النص - بما يقرره من عقوبة موضوعة بين حد أدنى وحد أقصى، خاضعة في تطبيقها لقواعد معينة - يطبق على جميع من يخالفونه. فمبدأ المساواة لا يحول دون أن تتفاوت مصائرهم تفاوتاً لا يخرج عن الحدود المرسومة في ذلك النص.


ويحتفظ مبدأ المساواة أمام العقوبة الجنائية بقوته حتى في مواجهة من يتمتعون بحصانات وفقاً للقانون الداخلي أو القانون الدولي: فالتحليل السليم للأثر القانوني لتلك الحصانات مؤداه أنها لا ترتب إعفاءً موضوعياً من الخضوع لنصوص التجريم والعقاب،

وإنما تولد إعفاءً ذا طبيعة إجرائية من الخضوع للإجراءات الجنائية والقضاء الجنائي لاعتبارات الملائمة التي تقف وراء تقريرها، وبالشروط التي تحددها.

كالحصانات التي تمنح لأعضاء مجلس النواب وبعض الوظائف العليا بالسلطة التنفيذية في القانون الداخلي، والحصانات التي تمنح لوظائف التمثيل الدبلوماسي والقنصلي في القانون الدولي.


مبدأ قضائية العقوبة:


جاء بالمادة (95) من الدستور أنه: " ....، لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ...."، وتأكيداً لذلك: يقرر نص المادة (459) من قانون الإجراءات الجنائية المصري أنه: " لا يجوز توقيع العقوبات المقررة بالقانون لأية جريمة إلا بمقتضى حكم صادر من محكمة مختصة بذلك ".


ومؤدى ذلك أن الحكم القضائي هو القالب الشكلي الوحيد المقبول للتعبير عن العقوبة من الناحية القانونية، وهو سند وجودها وتنفيذها. لذا فقد قيل - وبحق - أن حق الدولة في العقاب هو " حق قضائي".


فالعقوبة الجنائية - وفقاً للدستور- لا توقع بقوة القانون بمجرد ارتكاب الجريمة، إذ يجب أن تمر الواقعة الإجرامية بحلقات متتالية من الإجراءات التي ينظمها القانون، وصولاً إلى الحكم القضائي الذي يقرر الإدانة عن تلك الواقعة الإجرامية أو البراءة منها.


كذلك لا يجوز أن توقع العقوبة الجنائية بمقتضى قرار أو أمر يصدر عن إحدى سلطات الدولة لا تتوافر له صفة الحكم القضائي، أيَّاً ما كان مصدره.

فللقاضي الجنائي ميزان دقيق للواقعة المعروضة عليه قوامه العلم بالقانون، والخبرة بالعمل القضائي، وكونه محايداً مستقلاً يفترض فيه التجرد من الأهواء السياسية والايديولوجيات الفكرية.


لذا، فـ مبدأ قضائية العقوبة يحقق للمتهم ضمانة أساسية لا تعدلها سواها، إذ يتيح له فرصة المثول أمام قاضي محايد، يستمع إلى وجوه دفاعه، ويمكنه من تفنيد أدلة الاتهام المثارة ضده، فيجنبه بالتالي مخاطر جمع النيابة العامة في يدها بين سلطتي الاتهام والحكم.

ولا شك في سريان مبدأ قضائية العقوبة الجنائية على التدابير الاحترازية باعتبارها الوجه الآخر للجزاء الجنائي الذي قد يوقَّع على المتهم بارتكاب جريمة جنائية.


وهو ما أقره دستور2014 في المادة (62) منه والتي جاء في فقرتها الثانية أن: "...، ولا يكون منعه - أي المواطن - من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون ".

بل إن مبدأ القضائية أولى بالتطبيق على نظام التدابير الاحترازية باعتبار أن هذه الأخيرة مرتبطة بالخطورة الإجرامية للجاني وجوداً وعدماً، فضلاً عن كون التدبير غير محدد المدة بطبيعته، وينطوي على إجراءات من شأنها الحد من حرية المحكوم عليه بالسلب أو التقييد.

وعليه، فإن تطبيق التدابير الاحترازية بواسطة القاضي الجنائي ينأى بها أن تكون مدخلاً لتحكم إداري أو استبداد سياسي.


مبدأ حظر المصادرة العامة للأموال، وحظر المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي:


تقضي المادة (40) من الدستور بأن: " المصادرة العامة للأموال محظورة. ولا تجوز المصادرة الخاصة، إلا بحكم قضائي ".


وبذلك، فقد حظر الدستور المصادرة العامة للأموال كعقوبة بشكل عام، أي تلك التي ترد على كافة أموال الشخص أو حصة شائعة فيها. وقد جاء هذا الحظر بعد مراحل عديدة من التطور الذي شهدته العقوبة الجنائية، وما ظهر من مثالب لعقوبة المصادرة العامة للأموال.

وذلك من حيث التعسف في استخدامها من حيث الأصل، ثم قدراً من التشدد والقسوة تنطوي عليه هذه العقوبة يحول دون تحقيق المعقولية في العقوبة الجنائية، والتناسب بينها وبين الجريمة التي توقع من أجلها، إضافة إلى حتمية إضرارها بذوي المحكوم عليه ودائنيه، مما يصطدم بمبدأ شخصية العقوبة.


أما الشق الآخر من المادة (40) من الدستور، والذي يتعلق بحظر توقيع عقوبة المصادرة الخاصة إلا من خلال حكم قضائي، فقد رسمت ملامحه المادة (30) من قانون العقوبات المصري حين قررت أنه:

" يجوز للقاضي إذا حكم بعقوبة لجناية أو جنحة أن يحكم بمصادرة الأشياء المضبوطة التي تحصلت من الجريمة وكذلك الأسلحة والآلات المضبوطة التي استعملت أو التي من شأنها أن تستعمل فيها وهذا كله بدون إخلال بحقوق الغير حسن النية. وإذا كانت الأشياء المذكورة من التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في ذاته، وجب الحكم بالمصادرة في جميع الأحوال ولو لم تكن تلك الأشياء ملكاً للمتهم ".

وعليه، فالمصادرة عقوبة تكميلية، يجوز للقاضي الحكم بها في مواد الجنايات والجنح إلى جانب العقوبة الأصلية، وهي تتضمن إيلاماً يلحق الذمة المالية للمحكوم عليه بنقل ملكية المال محل المصادرة إلى ملكية الدولة إن تبين للقاضي الجنائي جدارة المحكوم عليه بهذا الإيلام.

أخذاً في الاعتبار؛ وجوب الحكم بالمصادرة إذا كانت الأشياء المضبوطة أو المستخدمة في الجريمة غير مشروعة في ذاتها. وتعد المصادرة في هذه الحالة تدبيراً احترازياً يبتغى منه الحيلولة دون إعادة استخدام تلك المضبوطات لارتكاب جرائم في المستقبل.


وسواء كانت المصادرة جوازية أو وجوبية، فتوقيعها مشروط بصدور حكم قضائي يقررها، ارتباطاً بالمبدأ الرئيس الذي يقرر " قضائية العقوبة الجنائية ".


مبدأ حظر إبعاد المواطن عن البلاد:


تقضي المادة (62) من الدستور بأن: " حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة. ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه ".

وتكرس هذه المادة مبدأ عدم جواز أن يتخذ التدبير الاحترازي صورة إبعاد المواطن عن الإقليم المصري.


فمهما تبين أن هناك خطورة إجرامية كامنة في أحد مواطني الدولة، ترتبط بوجوده على أراضيها، ولا سبيل لدرء تلك الخطورة إلا بإبعاده عن إقليم الدولة، أو أن مواجهة تلك الخطورة تتطلب أمداً طويلاً، أو يرجح انعدام السبيل في إصلاح هذا المواطن،

فإن المشرع الدستوري يحظر على المشرع العادي أن يقر تدبيراً احترازياً يتضمن إبعاد المواطن خارج حـدود إقـليم الدولـة، أو منعه من الـعودة إليـها.


والـحظر يـسري من بـاب أولى بالنسبة للـعقوبات. وعلى ذلك، فإن التشريع الذي يجيز إبعاد المصري عن البلاد يكون مخالفاً للدستور بشكل مباشر.


ويفسر الفقه ذلك بأن للمواطن حقاً في إقليم وطنه، فله فيه - مع سائر مواطنيه - نصيب شائع، ومن ثم لم يكن جائزاً حرمانه من هذا الحق.

كما يرجح من صياغة نص المادة (62) من الدستور؛ سريان المبدأ على مواطني الدولة فقط وليس على الأجانب، لذا فالأجانب يجوز إبعادهم عن إقليم الدولة إن كان لذلك مقتضى.


كما لم يفرق المشرع الدستوري المصري بين مواطني الدولة الأصليين ومن يكتسبون جنسية الدولة بالتجنس، مما يرجح معه سريان المبدأ على جميع المواطنين بالدولة، الأصليين منهم والمتجنسين بجنسيتها.

لاسيما وأن عبارة " أي مواطن " الواردة بالمادة (62) من الدستور توحي بالشمولية والتعميم.


العفو عن العقوبة:


تقضي المادة (155) من الدستور بأنه: " لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الوزراء العفو عن العقوبة، أو تخفيفها. ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون، يقر بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب ".

وتتحدث المادة (155) من الدستور عن حق رئيس الجمهورية في العفو عن العقوبة، وضرورة أن يتخذ العفو الشامل صورة القانون. ومن الواضح أن المبادئ الواردة بالمادة سالفة الذكر قد شهدت نوعاً من التطور في دستور2014 عنها في ظل دستور1971.


فبالنسبة للعفو الرئاسي عن العقوبة: اشترطت المادة (155) من دستور 2014 أن يقوم رئيس الجمهورية - حال ممارسته لحقه الدستوري في العفو عن العقوبة - بأخذ رأي مجلس الوزراء.

وعلى الرغم من أن المادة المذكورة لم تشترط موافقة مجلس الوزراء وإنما اكتفت بمجرد أخذ رأي مجلس الوزراء، إلا أنه على أي حال، يعد تدخلاً موفقاً من المشرع الدستوري، حال مصداقية تنفيذه.


أما التطور الذي ظهر في الفقرة الثانية من المادة المذكورة، والمتعلق بضرورة اتخاذ العفو الشامل صورة القانون، فهو أن المادة (155) من دستور 2014 قد اشترطت أن تتم الموافقة على القانون الذي يقرر العفو الشامل بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب كاملاً، وليس أغلبية أعضاء المجلس الحاضرين لجلسة إقرار هذا القانون.

وهو ما خلت منه المادة (149) من دستور1971، ويمكن اعتباره خطوة في الاتجاه الصحيح.


وقد تكفلت ببيان مضمون العفو الرئاسي عن العقوبة، المادة (74) من قانون العقوبات بقولها أن: " العفو عن العقوبة المحكوم بها يقتضي إسقاطها كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها مقررة قانوناً. ولا تسقط العقوبات التبعية ولا الآثار الجنائية الأخرى المترتبة على الحكم بالإدانة ما لم ينص في أمر العفو على خلاف ذلك ".

فالعفو عن العقوبة هو إنهاء تنفيذها على المحكوم عليه أو إبدالها بعقوبة أخف.


وعن علته؛ فإن العفو الرئاسي عن العقوبة يعد السبيل الوحيد لتدارك الأخطاء القضائية التي قد تكتشف بعد صيرورة الحكم بالعقوبة نهائياً وباتاً، غير قابلاً لـ الطعن على الحكم بالطرق العادية أو غير العادية.

أما عن طبيعته؛ فهو عمل من أعمال السيادة، لا يخضع لرقابة القضاء إذ لا يستند إلى أي اعتبارات تتعلق بظروف المحكوم عليه أو ملابسات الواقعة محل الجريمة، ولا يحق للمحكوم عليه المطالبة به، كما قد يمنح له دون توقف على رغبته، وذلك لتعلقه بالمصلحة العامة.

حيث يجد العفو الرئاسي سنده في أن المصلحة العامة - مقدَّرة من رئيس الدولة - تقتضي عدم تنفيذ العقوبة الجنائية.


وبالنسبة للعفو الشامل، فقد بينت أحكامه المادة (76) من قانون العقوبات المصري بقولها أن: " العفو الشامل يمنع أو يوقف السير في إجراءات الدعوى أو يمحو حكم الإدانة. ولا يمس حقوق الغير إلا إذا نص القانون الصادر بالعفو على خلاف ذلك ".


فالعفو الشامل هو: إجراء يصدر بقانون يمحو صفة الجريمة عن الفعل، وينهي الدعوى الجنائية الناجمة عنه، وينهي حكم الإدانة الذي يكون قد صدر بشأنه وينهي كافة ما يرتبه من آثار، بما في ذلك تنفيذ العقوبة.


ويجد العفو الشامل تبريره في أن المشرع يلجأ إليه عقب مرور الدولة بظروف سيئة أو غير اعتيادية اجتماعياً أو سياسياً، حيث تشتد قبضة الدولة بالتجريم والعقاب في مثل هذه الفترات لمواجهة أخطارها.

وحينما تأخذ مجريات الأمور في الدولة اتجاهها إلى العودة لمساراتها المعتادة، قد يرى المشرع أنه من الأنسب التعجيل بطي تلك الصفحة من تاريخ الدولة المضطرب، والإسراع نحو تحقيق الوفاق الوطني والاستقرار القومي، عن طريق إصدار قانون يتضمن العفو عن مجموعة من الأفعال، إخراجاً لها عن نطاق نص التجريم الذي يحظرها، على الرغم من تطابقها معه.


ولأن العفو الشامل بمفهومه السابق، يتضمن إيقافاً للقوة القانونية لنصوص التجريم والعقاب، فكان لزاماً أن يتم هذا الإيقاف من السلطة التي تمنح هذه النصوص قوتها القانونية أي السلطة التي تملك إصدارها.

لذا؛ فقد اشترط الدستور ألا يكون العفو الشامل إلا بقانون، يوافق عليه أغلبية أعضاء مجلس النواب.


حظر توقيع عقوبات سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية:


تنص المادة (71) من دستور2014 في فقرتها الثانية على أنه:

" لا توقع عقوبات سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون ".


وقد ظهر هذا المبدأ الدستوري للمرة الأولى في الفقرة الثانية من المادة (71) من دستور2014، مسبوقاً بالفقرة الأولى التي تقرر حظر فرض الرقابة على الصحف أو مصادرتها أو وقفها.

وذلك إظهاراً لقدر كبير من الحرية التي قرر المشرع الدستوري منحها للصحافة ووسائل الإعلام، وهي في سبيلها نحو ممارسة دورها في الرقابة المجتمعية على الشأن العام داخل الدولة،

وتتويجاً للمبادئ الدستورية المتعلقة بحرية الرأي والفكر والنقد والإبداع الفني والأدبي، والتي حرص الدستور على إيرادها صراحة، تعبيراً عن توجهاته ورؤيته في هذا الشأن.


أخذاً في الاعتبار، أن المشرع الدستوري أورد قيداً على المبدأ المذكور يشترط ألا تكون المخالفة التي وقعت بطريق النشر أو العلانية تتضمن تحريضاً على العنف أو التمييز بين المواطنين، أو تتعلق بالطعن في أعراضهم.

ففي هذه الحالات؛ لا يسري المبدأ الدستوري القاضي بعدم جواز توقيع عقوبات سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، وهو استثناء مبرر ومقبول، تقتضيه الموازنة بين كافة المصالح المحمية دستورياً وقانونياً.


وقد أصدر المشرع القانون رقم (180) لسنة 2018 بإصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، مقرراً في المادة (29) منه أنه:

" لا يجوز توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد ".

والجدير بالذكر، أن استجابة المشرع للمبدأ الدستوري الذي يقضي بحظر العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، كانت بطيئة بصورة ملحوظة، واستغرقت عدة سنوات دون مقتضى.

فلم تكن استجابة المشرع للمبدأ بالسرعة المطلوبة على الإطلاق، وترتب على ذلك بقاء المبدأ الدستوري خارج نطاق التطبيق لسنوات عدّة.


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -