ط
أخر الاخبار

شرعية العقوبة : انفراد التشريع / الوضوح والتحديد / معيار الدستورية

الطبيعة الخاصة للجزاء الجنائي:

لما كانت القواعد الجنائية تحمي من المصالح الاجتماعية أعلاها مرتبة وأثقلها وزناً، فإن رد الفعل الاجتماعي إزاء من يخالفها (الجزاء الجنائي) سيأتي بالضرورة انعكاساً لتلك الأهمية، وتعبيراً عن أشد درجات السخط الاجتماعي في مواجهة المخالف.

شرعية العقوبة
شرعية العقوبة : انفراد التشريع / الوضوح والتحديد / معيار الدستورية

العقوبة الجنائية:

ويمكن تعريف العقوبة الجنائية بأنها: جزاء يوقَّع باسم المجتمع تنفيذاً لحكم قضائي على من تثبت مسئوليته عن الجريمة.

وفي معناها الجامع؛ العقوبة هي إيلام قسري مقصود، يحمل معنى اللوم الأخلاقي والاستهجان الاجتماعي، يستهدف أغراضاً أخلاقية ونفعية، محدد سلفاً، بناء على قانون، تنزله السلطة العامة في مواجهة الجميع، بحكم قضائي، على من تثبت مسئوليته عن الجريمة وبالقدر الذي يتناسب معها.

وإزاء تلك الأهمية البالغة لنصوص الجزاء الجنائي، كان لابد من سريان مبدأ الشرعية الجنائية عليه تماماً كسريانه على نصوص التجريم الجنائي. بل ان الحاجة إلى مبدأ الشرعية تبدو أقوى بشأن نصوص الجزاء الجنائي.

ويفرض مبدأ شرعية العقوبة الجنائية عدة خصائص يجب توافرها في النصوص القانونية التي تقرر العقوبات الجنائية سواء من حيث السلطة المختصة بإصدار النصوص العقابية، أو الصفات التي تميز هذه النصوص، ويمكن تناول مبدأ شرعية العقوبة الجنائية من خلال التقسيم التالي:

  1. مـبدأ انـفراد الـتشريع بإقـرار العـقـوبات الجـنائية.
  2. مبدأ وضوح وتـحديد نصوص العـقوبات الجنائية.

أولاً: مبدأ انفراد التشريع بإقرار العقوبات الجنائية

تدور أهداف العقوبة في السياسة الجنائية المعاصرة حول ثلاث محاور رئيسية: هي تحقيق العدالة، والردع، والإصلاح. فأول ما ترمي إليه العقوبة الجنائية هو جبر الضرر الذي أحدثه الجاني بارتكاب جريمته.

فالعقوبة هي الوسيلة لإعادة التوازن الذي أخل به هذا الاعتداء، ومن أجل هذا؛ فإن الجزاء يتمثل في التضحية بمصلحة لمرتكب العمل غير المشروع. وإرضاء شعور المجني عليه والشعور الاجتماعي العام بالسخط تجاه الجاني.

ولذلك يمكن القول كأصل عام؛ أن العقوبة الجنائية كانت - ومازالت - خير جزاء فعال ورادع لحماية وحدة الجماعة، وأن ثبوت المسئولية الجنائية يقترن بالعقوبة التي تترتب عليها.

وذلك على الرغم مما ظهر في بعض الآراء الفقهية من التشكيك في مبدأ حتمية العقوبة واعتبار تأهيل المحكوم عليه هو الهدف الأسمى للسياسة الجنائية المعاصرة، وهو ما لا نعتقد في صحته.

وتهدف العقوبة الجنائية أيضاً إلى تحقيق الردع الذي يعني خشية العقاب في النفوس، وبث روح التردد لدى من يعتزم ارتكاب جريمة، سواء كان ردع خاص لدى مرتكب الجريمة يحول دون عودته لارتكابها مستقبلاً، أو ردع عام يكفل تحقيق منع لدى الكافة من المضي في سبل الإجرام.

كما أنه أصبح من الأهداف الأساسية للعقوبة الجنائية في الوقت الحاضر؛ إصلاح المحكوم عليه وتقويمه بالصورة التي تعيده إلى الاندماج مع محيطه الاجتماعي كعنصر صالح في المجتمع.

 فلم تعد العقوبة الجنائية تعني الانتقام من الجاني، ولم يعد الجاني نفسه يُنظر إليه باعتباره عنصر خبيث يجب استئصاله. وفي هذا الهدف؛ تكمن علّة تفريد العقاب.

العقوبة الجنائية لا يفرضها إلا القانون:

ولا شك أن دولة القانون لا يمكن أن تعهد بوظيفة إقرار نصوص الجزاء الجنائي - بالنظر إلى خطورة محتواها وأغراضها المتنوعة - إلا إلى السلطة التشريعية وحدها.

وعلى المشرع الجنائي أن يصدر شق الجزاء بالقاعدة الجنائية معبراً عن كافة أهداف العقوبة الجنائية، بما يحقق سياسة عقابية حقيقية، تعالج أعقد المشكلات بأفضل الحلول.

ويقرر نص المادة (95) من الدستور أنه:

" لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون "، وهو ما يفيد سريان مبدأ الشرعية الجنائية في شأن العقوبة الجنائية، تماماً كسريانه على نصوص التجريم الجنائي، فلا تجريم بلا عقاب، ولا عقوبة إلا بمناسبة ارتكاب الجريمة، ولا يقر العقوبة الجنائية إلا المشرع وحده.

تحديد العقوبة هو أساس شرعيتها:

والتحديد المسبق للعقوبة الجنائية مفترض دستوري لشرعيتها، وضمانة أساسية لحقوق وحريات الأفراد التي يمكن أن تُنتهك بشدة إن لم تُحَدَّد العقوبات الجنائية بشكل مسبق، وتُحَدَّد سلطة القاضي الجنائي في تطبيقها.

كما يمنح هذا التحديد للعقوبة المبرر المنطقي والقانوني لتطبيقها، ويجعلها مقبولة اجتماعياً، ويحقق هدف العقوبة في الردع العام وصرف أبصار الأفراد عن ارتكاب الجرائم لعلمهم المسبق بسوء العواقب المترتبة على ارتكابها.

فالمعيار الحقيقي لدى المشرع عند اختيار العقوبة المناسبة بما تحمله من إيلام للمحكوم عليه وانتقاص من حقوقه هو مدى أهمية المصلحة المشمولة بالحماية الجنائية، وقدر مساس الفعل المحظور بهذه المصلحة وإضراره بها، ودرجة الإذناب لدى الجاني، والتي عبرت عنها جريمته.

وعلى المشرع الجنائي أن يدرك أن الدستور لا يخوله أكثر من بيان الحدود المنطقية التي يباشر فيها المواطنون حقوقهم وحرياتهم التي كفلها الدستور، إضافة إلى حماية المصالح المشروعة بالوسائل المناسبة.

فإذا تغوًّل المشرع على الحقوق والحريات بإهدارها أو بالانتقاص منها خارج حدود التنظيم المنطقي للمصالح التي يحميها، فإن النص الصادر عنه بالعقوبة الجنائية التي تجاوزت حدود التناسب والمعقولية، هو نص غير دستوري.

يستوي في ذلك أن تكون مخالفة ضمانات الدستور للعقوبة الجنائية متعمَّدة؛ بأن كان المشرع سيء النية يرمي إلى تحقيق أغراض لا تلتقي بالمصلحة العامة، أو كان حسن النية ولا يدرك المضمون الحقيقي لنصوص الدستور. ويستوي في ذلك أيضاً أن تكون مخالفة الدستور جسيمة أو محدودة.

وهو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا في العديد من المناسبات، ومن ذلك؛ قضاؤها بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم (17) لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (73) لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية.

وقد ارتكزت المحكمة على عيب الانحراف التشريعي من جانب المشرع، وأثبتت تجاهل المشرع للضوابط الدستورية للعقوبة الجنائية.

إذ كانت تقضي المادة الأولى من القانون المذكور بتوقيع عقوبة المنع من مباشرة الحقوق السياسية لكل من عمل في عدد من المناصب السياسية قبل تاريخ 11/2/2011.

فبعد أن أسست المحكمة قضاءها بعدم دستورية المادة المذكورة على أساس الإخلال بمبدأ عدم رجعية العقوبات الجنائية، ومبدأ قضائية العقوبة الجنائية، والإخلال بمبدأ المساواة، اختتمت المحكمة حكمها قائلة:

" ولئن كانت كل مخالفة دستورية اعتورت ذلك النص على نحو ما تقدم، تكفي بذاتها لإبطاله، إلا أن اجتماع تلك المثالب الدستورية، مع عدم خفاء أمرها على أعضاء المجلس التشريعي على ما كشفت عنه مضابط مجلس الشعب ذات الصلة واتجاه المجلس في غالبيته لتجاهلها،

وإقراره لمشروع القانون، ما يجافي عن قصد الأغراض التي كان يجب أن يتوخاها التشريع، وهو الأمر الذي يفقده عموميته وتجريده، ويوصمه بالتالي بعيب الانحراف التشريعي ".

ويحظر مبدأ الشرعية الجنائية على القاضي الجنائي أن يخرج عن العقوبات التي قررها المشرع للوقائع المطروحة عليه، فهو يطبق هذه العقوبات على وجه الدقة دون زيادة في مقدارها أو نقصان، أو تفرقة بين المخاطبين بأحكامها.

فإن لم يجد القاضي عقوبة مقررة للواقعة المعروضة عليه؛ فليس له إلا أن يحكم بالبراءة، ولا يُقبل منه أبداً أن يخلق عقوبة جديدة بغير نص، أو أن يمد نطاق تطبيقها خارج ما قرره المشرع.

كما يفرض مبدأ شرعية العقوبة الالتزام بنهج التفسير الضيق عند تفسير النصوص العقابية وحظر القياس على العقوبات الجنائية فيما لم يرد فيه نص، بل واشترطت المحكمة الدستورية العليا لإعمال قاعدة التفسير الضيق في شأن القاعدة القانونية، أن يكون الجزاء المترتب على مخالفتها " جنائياً ".

وأن مبدأ الشرعية الجنائية يفرض على المشرع بشأن نصوص الجزاء الجنائي أن:

" ينتهج الوسائل القانونية السليمة سواء في جوانبها الموضوعية أو الإجرائية لضمان ألا تكون العقوبة أداة عاصفة بالحرية، وأن تكون العقوبة التي يفرضها في شأن الجريمة تبلور مفهوماً للعدالة يتحدد على ضوء الأغراض الاجتماعية التي تستهدفها ".

وغني عن البيان؛ انطباق مبدأ حظر الأثر الرجعي لنصوص العقوبات الجنائية، كما هو الحال بشأن نصوص التجريم الجنائي. وقد أكد قانون العقوبات الفرنسي الجديد مبدأ خضوع قواعد التنفيذ العقابي لمدلول شرعية الجرائم والعقوبات من حيث عدم الرجعية بالمادة (122/3).

ثانياً: مبدأ وضوح وتحديد نصوص العقوبات الجنائية

يفرض مبدأ الشرعية الجنائية على المشرع الجنائي تحديد نوع العقوبة الجنائية ومقدارها على وجه الدقة والتحديد، بالصورة التي تحقق العلم اليقيني بالعقوبة المقررة لكل جريمة لدى المخاطبين بقواعد التجريم والعقاب.

وذلك بما يحقق الردع العام في نفوسهم، وبالكيفية التي لا تترك مدخلاً للشك في نفس القاضي الجنائي عند تحديده لمقدار الجزاء الجنائي الذي قرر المشرع إنزاله بمرتكب الجريمة، ولا تدع مجالاً لأي خلل في تطبيق العقوبة الجنائية.

فإن فقدت العقوبة صفتي الوضوح والتحديد بأن كانت غير واضحة في طبيعتها أو غير محددة في مقدارها، زالت عنها شرعيتها، وتعين بالتالي القضاء بعدم دستوريتها.

التطبيقات القضائية للمحكمة الدستورية العليا بخصوص مبدأ تحديد العقوبة الجنائية:

وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا أنه: " يتعين أن يكون لكل جريمة عقوبة محددة ينص القانــون عليهــا في صلبه، أو تتقرر - على الأقل - وفقاً للحدود التي يبينها ".

فإذا لم يحدد المشرع للقاضي الجنائي الحد الأدنى والحد الأقصى للعقوبة الجنائية، فإن النص العقابي يفقد شرعيته.

وهو ما طبقته المحكمة الدستورية العليا بمناسبة الطعن على دستورية نص المادة (5) مكرراً من القانون رقم (35) لسنة 1978 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية.

والتي كانت تعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من زاول عملاً من الأعمال المهنية المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون، ولم يكن من المقيدين بجداول النقابة، أو كان ممنوعاً من مزاولة المهنة مالم يكن حاصلاً على تصريح مؤقت للعمل طبقاً للمادة (5) من هذا القانون.

والجدير بالذكر؛ أن المحكمة الدستورية العليا قد تصدت من تلقاء نفسها لفحص دستورية المادة سالفة الذكر من حيث إطلاقها لعقوبة الغرامة دون وضع حد أقصى لها، فلم يكن المدعي قد ضمنها في طلباته بصحيفة الدعوى.

وقررت المحكمة أن:

" قانون نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، بعد أن حدد حصراً ما يخص كلا منها من الأعمال المهنية التي قصر مباشرتها - أصلاً - على المقيدين بجداولها، عاقب بنص المادة (5) مكرراً غير أعضائها الذين يقحمون أنفسهم على نشاطها،

دون تصريح منها يخولهم مباشرة بعض جوانبه؛ وكان التجريم - وباعتباره واقعاً في هذه الحدود - يتناول في الأعم أعمالاً إبداعية تمثل بمكوناتها عطاءً دافقاً، ونهراً متجدداً بعناصر الخلق التي تؤثر في بناء الفرد روحياً وعقلياً؛

وكانت العقوبة التي فرضها المشرع على مباشرة هذه الأعمال دون ترخيص بها، هي الحبس والغرامة أو إحداهما - على إطلاق - دون قيد يتعلق بالحد الأقصى لأيهما، فإنها تكون عبئاً باهظاً على أعمال الإبداع، لتجاوز قسوتها ما يفترض أصلاً من تشجيعها وإنمائها والحض عليها بكل الوسائل".

وإن كانت المحكمة قد أسست حكمها الصادر بعدم دستورية المادة الخامسة مكرراً من القانون سالف الذكر على مخالفتها لمبادئ الدستور بشأن الحرية الشخصية ومخالفة مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات،

فإن جوهر مخالفة مبدأ الشرعية هنا يتعلق بـ عدم تحديد العقوبة الجنائية، من خلال عدم وضع المشرع لحد أقصى لعقوبتي الحبس والغرامة.

معيار تحديد العقوبة لدى القضاء الدستوري:

وعن مضمون صفة التحديد؛ قررت المحكمة الدستورية العليا أن:

" مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المقرر بنص المادة (95) من ‏الدستور القائم، لا يقتضي لزوماً - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ‏الجزاء الجنائي في شأن الأفعال التي أثمها المشرع محدداً تحديداً مباشراً.

بل يكفي ‏أن يتضمن النص العقابي تلك العناصر التي يكون معها هذا الجزاء قابلاً للتحديد، ‏ومعيناً بالتالي من خلالها، فلا يكون الجزاء الوارد به مبهماً، ولا مفضياً إلى التحكم، ‏بل قائماً على أسس حدد المشرع سلفاً ركائزها ".

وطبقت المحكمة الرؤية السابقة في شأن الطعن على دستورية المادة (65 مكرراً) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم ‏‏(95) لسنة 1992 المضافة بالقانون رقم (143) لسنة 2004، والتي كانت تنص على أن:

" يعاقب ‏بغرامة قدرها ألفا جنيه على كل يوم من أيام التأخير في تسليم القوائم المالية وفقاً ‏لقواعد الإفصاح المرتبطة بها والمتعلقة بقواعد قيد وشطب الأوراق المالية المنصوص ‏عليها في المادة (16) من هذا القانون ".

ورأت المحكمة أن: " صفة التحديد في الجزاء الجنائي تتحقق كلما ربط ‏النص العقابي بين الغرامة التي فرضها، وامتناع المخالفين عن الوفاء بالتزامهم ‏القانوني بتسليم القوائم المالية في المواعيد المقررة قانوناً،

محدداً مقدارها بقدر المدة ‏التي امتد إليها الإخلال بواجباتهم التي فرضها القانون، ليكون الحمل على التقيد بها ‏غاية نهائية للغرامة التي يقتضيها، وليس لازماً بالتالي أن يكون مقدارها واقعاً في ‏إطار حدين يكون أدناهما وأقصاهما مقررين سلفاً، ليحدد القاضي مبلغها فيما بينهما.

‏بل يجوز أن يتخذ المشرع معياراً لضبطها يكون به مبلغها محدداً على ضوء المدة ‏التي استغرقها الامتناع عن تسليم هذه القوائم. كما أن ارتباط تحديد مقدار الغرامات بمدة الامتناع عن تقديم القوائم ‏المالية والتي تختلف من شخص لآخر، لا يغير من وحدة التنظيم القانوني للجرائم ‏التي ارتبط بها الجزاء الجنائي.

ولا يعدو هذا أن يكون تغايراً في الوقائع التي تقرر ‏الجزاء الجنائي بمناسبتها، وليس من شأن تباينها أن يكون تحديد الجرائم وعقوباتها ‏وتطبيقها على المخالفين قد انتقل من المشرع والقاضي إلى أيديهم، أو يمثل تغييراً في جوهر الجزاء الجنائي المقرر على إتيان هذه الأفعال، ‏أو يتضمن إخلالاً بقواعد العدالة ".

 وبناء على ذلك؛ قررت المحكمة أن الجزاء الوارد بنص المادة سالفة الذكر وهو الغرامة التي تحدد على أساس عدد أيام التأخير، هو جزاء محدد على وجه الدقة، وحكمت برفض دعوى الطعن على دستوريته.

قاعدة تحديد العقوبات الجنائية في قضاء المجلس الدستوري الفرنسي:

وفي قضاء مشابه، ذهب المجلس الدستوري الفرنسي إلى إقرار دستورية نص المادة (464-2) من القانون التجاري الفرنسي الصادر في 15 مايو لسنة 2001،

والتي كانت تفرض عقوبة الغرامة على من يخالف قواعد المنافسة الواردة بهذا القانون بقيمة ثابتة بالنسبة للشخص الطبيعي، وبنسبة مئوية مقدارها (10%) من قيمة أعلى معدل بالنسبة للأشخاص الاعتبارية التجارية، وقرر المجلس أنه ليس في ذلك ما يخالف صفة التحديد في العقوبة.

وقد أكَّد المجلس الدستوري الفرنسي على أنه: من واجب المشرع الجنائي أن يصدر نصوص التجريم والعقاب على نحو واضح ومحدد، وذلك بمناسبة الطعن على دستورية الفقرة الأولى من المادة (434-35) من قانون العقوبات وتعديلاته بموجب قانون 18 مارس لسنة 2003،

والتي كانت تعاقب على الاتصال غير المشروع بالسجناء بأية وسيلة - إلا في الحالات التي تسمح بها اللوائح التي تضعها السلطة التنظيمية - بالسجن لمدة سنة وبغرامة مقدارها خمسة عشر ألف يورو.

ورأى المجلس الدستوري أن كلاً من المادة الثامنة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789، وكذلك المادة (34) من الدستور الفرنسي؛ توجب أن يضع القانون " بدقة ووضوح " العقوبات المطبقة على الجرائم، وهو اختصاص أصيل للمشرع احتراماً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.

وأن المشرع ما كان له أن يتخلى عن اختصاصه بتحديد الحالات الاستثنائية التي يجوز فيها الاتصال بالسجناء والمحتجزين، والتي يترتب عليها إنزال العقوبة بالمخالفين، وفوض السلطة التنظيمية في هذا الاختصاص بالمخالفة للدستور.

لأن ذلك يعني نقل سلطة تحديد التجريم والعقاب إلى السلطة التنظيمية بالمخالفة لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.

قاعدة تحديد العقوبة في قضاء المحكمة العليا الأمريكية:

وانطلاقاً من مقتضيات شرط الوسائل القانونية السليمة؛ قررت المحكمة العليا الأمريكية في عام 1948 أن:

" التشريع إذا كان ناقصاً وغير محدد في عباراته، وفي المدلول الذي يمكن أن يفسر به بحيث يقصر عن تحديد الأعمال التي يعاقب عليها، فإنه يكون مخالفاً لشرط الوسائل القانونية السليمة ".

وفي المقابل؛ قضت بأن النص الواضح في دلالته ومعناه، يجب إعماله دون تساهل أو تشدد يبتعد عن قصد الهيئة التشريعية.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -