ط
أخر الاخبار

هل يجوز القياس في قانون العقوبات؟ سلطة القاضي الجنائي في استخدام القياس

القياس في التجريم والعقاب:


ما هو القياس في القانون الجنائي؟ القياس هو أحد الوسائل التي يملكها القاضي أثناء تحديده لنطاق النصوص القانونية وصولاً إلى غرض الشارع منها وتطبيقها على ما يعرض عليه من قضايا جنائية.


القياس في القانون الجنائي, القياس في تفسير قانون العقوبات, القياس في المواد الاجرائية, القياس في القانون المدني
هل يجوز القياس في قانون العقوبات؟ سلطة القاضي الجنائي في استخدام القياس


ما هو معنى القياس؟ يعني القياس إعطاء حالة غير منصوص عليها في القانون حكم حالة منصوص عليها فيه لاتفاق الحالتين في العلة، لذا فهو يعني في مجال التجريم والعقاب أن يقيس القاضي فعلاً لم يرد النص بتجريمه على فعل ورد نص بتجريمه، فيقرر للأول عقوبة الثاني محتجاً بتشابه الفعلين.


أو يكون العقاب على الفعل الثاني يحقق ذات المصلحة التي يحققها العقاب على الفعل الأول وهو ما يعني مد نطاق نص التجريم والعقاب إلى فعل لم يرد النص بتجريمه.


ويؤدي اعتناق القانون الجنائي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يعبر عنه بأنه: " لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص " إلى رفض استعمال القاضي الجنائي لوسيلة القياس أثناء تطبيق نصوص التجريم والعقاب على ما يعرض عليه من قضايا جنائية.

أخذاً في الاعتبار؛ أن ذلك لا يعني أبداً وجوب التزام التفسير الضيق لنصوص التجريم والعقاب.


القاعدة: حظر القياس في القانون الجنائي:


وحظر القياس لا يقتصر على القواعد التي تقرر العقوبة بداءة بل يمتد إلى القواعد المشددة للعقاب فيشملها أيضاً. لأنه لا يمكن إعمال وسيلة القياس في التجريم والعقاب إلا بهدم مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات بشكل كامل.


وقد عبرت المحكمة الدستورية العليا عن ذلك المبدأ صراحة بقولها أن: " القياس محظور في مجال التأثيم، والقاعدة هي التحرز في تفسيرالقوانين الجنائية ". وذلك بعكس القاعدة الجنائية الإجرائية التي يجوز فيها القياس إذا كان في مصلحة المتهم.


وبناء على ذلك؛ رفضت بعض المحاكم المصرية أن تساوي في مجال التزوير بين البصمة وبين الإمضاءات والأختام، كما أن محكمة النقض المصرية لم تعتبر ما يرد على الصورة الفوتوغرافية من تغيير للحقيقة تزويراً لأنها لا تعتبر " محرراً " إذ يشترط في المحرر أن يكون مسطوراً.

وفي مجال الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة لا يجوز أن يقاس على هذه النتيجة أي نتيجة أخرى مثل الإجهاض.


التفسير الغائي والقياس:


وعلى القاضي الجنائي أن يفطن إلى الحد الدقيق الفاصل بين التفسير الغائي الذي يصل به إلى مقصود الشارع ويحقق به فاعلية النص الجنائي في حماية الحق المعتدى عليه، وبين تجاوز هذا الحد دخولاً إلى منطقة القياس المحظور في مواد التجريم والعقاب.


فالتفسير الغائي الذي يرجحه الفقه الجنائي عن التفسير الحرفي، قد أدى بنتائج تقترب جداً في مضمونها من القياس، حيث تم تطبيق النص الخاص بالسرقة على حالات لا تدخل للوهلة الأولى في دائرة النص. فهذا الأخير يعرفها بأنها " اختلاس مال منقول مملوك للغير بنية تملكه ".


والتفسير الحرفي لذلك النص يستوجب لقيام الجريمة أن يقع فعل ينتزع به المال المراد سرقته من يد المجني عليه، وأن يكون ذلك المال شيئاً مادياً يمكن نقله من مكان إلى مكان آخر.


وأخذاً بذلك التفسير، لا يقع فعل الاختلاس من شخص تسلم من آخر مالاً لمعاينته ثم فر به هارباً، لأن التسليم ينفي الاختلاس بالمعنى الحرفي؛ كما لا تقع السرقة إذا كان محلها كهرباء أو غازاً: إذ لا يصدق على أي منهما حرفياً أنه منقول.


بيد أن التفسير الغائي يسمح بدخول هذين الفرضين دائرة السرقة، تأسيساً على أن علة تجريم السرقة - وهي حماية الملكية والحيازة - تتحقق حينما يتلقى السارق شيئاً بتسليم غير ناقل للحيازة.


وكذلك عندما يرد الاختلاس على مال يصلح محلاً للملكية والحيازة، بأن تكون له قيمة ما، ويمكن إخضاعه لنوع ما من السيطرة، كالغاز والكهرباء، وتسري الملاحظة ذاتها على النصوص التي تعاقب على الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة.


فالتفسير الغائي لتلك النصوص يستوجب البحث عن علة التجريم، وهي المساس بالسلامة البدنية، ومن ثم فإن أي فعل يحدث به مثل ذلك المساس يدخل في دائرة النص، ولو لم يصدق عليه حرفياً أنه ضرب أو جرح أو إعطاء مادة ضارة، وهكذا.


القياس في القواعد الإجرائية:


وإذا كان أصل البراءة يتربع على عرش قواعد الشرعية الإجرائية للقانون الجنائي، فإن أصل الإباحة يتصدر قواعد الشرعية الموضوعية لقانون العقوبات.

وبالتالي؛ فإن حظر القياس في مواد التجريم والعقاب ليس مطلقاً، وإنما هو محدود بما يفرضه مبدأ الشرعية الجنائية الذي هو مصدر قاعدة حظر القياس في التجريم والعقاب.


ولما كان مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات هو عماد الحقوق والحريات في مجال التجريم والعقاب، فمن الواجب إعماله بما يخدم حقوق وحريات المواطنين أو بلفظ أدق " مصلحة المتهم ".


ومن هنا؛ جاز إعمال القياس في مواد التجريم والعقاب التي لا تجرم ولا تعاقب وإنما تقرر نصوصاً في صالح المتهم، كأن يقرر النص سبباً للإباحة أو مانعاً من المسئولية أو العقاب، فالقياس في مثل هذه الحالات لا يجرح مبدأ الشرعية الجنائية بل يؤكد مضمونه.


وتطبيقاً لذلك؛ استطاع الفقه والقضاء جعل الدفاع الشرعي سبباً عاماً لإباحة كل الجرائم على الرغم من أن النصوص التي قررته قد قصرت نطاقه على جرائم القتل والجرح والضرب ( المواد245-251) من قانون العقوبات.


واستطاعا كذلك جعل نطاق مانع العقاب الذي كانت تقرره المادة (312) من قانون العقوبات - قبل تعديلها بالقانون رقم (64) لسنة 1947 إذا ثبت قيام علاقة زوجية بين الجاني والمجني عليه أو كان أحدهما أصلاً أو فرعاً للآخر - ممتداً إلى جرائم النصب وخيانة الأمانة والغصب بالتهديد على الرغم من أن المادة السابقة كانت تقصره على جريمة السرقة.


تفسير الشك لصالح المتهم:


ويجب أن يفسر الشك لصالح المتهم في حالة عدم تمكن القاضي الجنائي من الوصول إلى قصد الشارع بشكل كامل وتساوي جميع أوجه التفسير في نظره بحيث يستحيل عليه تحديد قصد الشارع، عوداً إلى أصل الإباحة في الأفعال.


وهو ما أكدته المحكمة العليا الأمريكية US Supreme court بقولها أن: " غموض النصوص الجنائية لابد وأن يفسر في مصلحة المدعى عليه ".


وإن كان الحديث في هذا الشأن يغلب عليه الطابع النظري فهو فرض نادر الحدوث عملياً، فمن المستبعد أن تُصدر السلطة التشريعية نصاً قانونياً في حالة غموض تام يحول بين القاضي ومقصود المشرع منه بشكل كامل.



تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -