أخر الاخبار

مبادئ العقوبة : شرعية العقوبة الجنائية ومشروعية الجزاء الجنائي

مبادئ العقوبة: شرعية العقوبة الجنائية:

أوضحنا في مقالات ومنشورات سابقة   ماهية العقوبة الجنائية وخصائصها وأهدافها، كما أوضحنا في منشور مستقل  مبدأ شخصية العقوبة الجنائية، وكذلك  مبدأ قضائية العقوبة الجنائية.


واستكمالاً لمجموعة الضمانات الدستورية والقانونية للعقوبات الجنائية: يتناول هذا المقال مبدأ أساسي من مبادئ العقوبة الجنائية وهو: مبدأ شرعية العقوبة الجنائية.

شرعية الجرائم والعقوبات, قانونية العقوبة, شرعية الجزاء الجنائي, خصائص العقوبة
مبدائ العقوبة : شرعية العقوبة الجنائية ومشروعية الجزاء الجنائي


ويعني مبدأ شرعية العقوبة الجنائية أن:


" العقوبة الجنائية لابد أن تكون منصوص عليها في القانون كمصدر وحيد للعقوبة الجنائية دون غيره من مصادر القانون الأخرى وليس لها مصدر سواه، فالقاضي لا يطبق إلا العقوبات الواردة في القانون على سبيل الحصر احتراماً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ".


مبدأ شرعية العقوبة الجنائية:

 

·       لمحة عن خطورة القواعد الجنائية التي تقرر العقوبات الجنائية:

 

إذا كانت القواعد القانونية كلها تتمتع بصفة الإلزام، مما مؤداه تقرير جزاء قانوني على مخالفتها، فإن القواعد الجنائية تنفرد بموضع يميزها في هذا الإطار: ذلك أن طبيعة الجزاء ترتبط بطبيعة القاعدة التي خولفت والمصلحة المحمية من خلالها.

 

ولما كانت القواعد الجنائية تحمي من المصالح الاجتماعية أعلاها مرتبة وأثقلها وزناً، فإن رد الفعل الاجتماعي إزاء من يخالفها سيأتي بالضرورة انعكاساً لتلك الأهمية، وتعبيراً عن أشد درجات السخط الاجتماعي في مواجهتهم.

 

وليس ذلك سوى تطبيق لقاعدة عامة في الصناعة القانونية تربط بإحكام بين أهمية القيمة التي تحميها القاعدة القانونية من ناحية وجسامة الانتهاك الذي قد تكون محلاً له من ناحية ثانية، وطبيعة رد الفعل القانوني إزاء المخالف من ناحية ثالثة.

 

مضمون مبدأ شرعية العقوبات الجنائية:

 

يعني المبدأ ببساطة أن المصدر الوحيد للعقوبات الجنائية هو نص القانون المكتوب وحده وعلى سبيل الحصر.

 

وتخضع العقوبات الجنائية لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، بحيث يجب أن تكون العقوبة الجنائية مقررو بنص مكتوب فب القانون، فكل عقوبة لا ينص عليها القانون تعتبر غير مشروعة.

 

فلا يجوز أن يتم إقرار العقوبة الجنائية بقرار جمهوري أو قرار وزاري أو بما دون ذلك من قرارات إلا بناء على تفويض تشريعي مصدره القانون وفي الحدود الضيقة التي يسمح بها القانون.

 

وبالتالي؛ ينطبق مبدأ الشرعية الجنائية على شق العقاب بالقعدة الجنائية نفس انطباقه على قاعدة التجريم في التشريعات الجنائية الحديثة؛ فالقاعدة أنه لا جريمة بدون نص ولا عقوبة كذلك بغير نص.

 

أياً ما كان موضوع ذلك النص في سلم التدرج التشريعي (أي سواء كان الدستور أو التشريع العادي أو التشريع الفرعي "اللوائح" )، وسواء تم النص على العقوبة الجنائية في قاعدة التجريم نفسها أو في أي قاعدة قانونية أخرى يحيل إليها نص التجريم.

 

أهمية مبدأ قانونية العقوبة الجنائية:

 

ويمثل مـبدأ شـرعية الـعقوبة الـجنائية الـضمانة الـكبرى والحقيقية لحماية حقوق وحريات الأفراد، لأن العقوبة الجنائية فيها الانتقاص المباشر من حق الشخص في سلامة جسده، أو في حريته، أو في ذمته المالية.

 

وعليه؛ فالمشرع الجنائي وحده هو الذي يحدد العقوبات الجنائية ويفرضها وفقاً لسلطته التشريعية، مع مراعاة حالات التفويض التشريعي للسلطة التنفيذية في إقرار بعض قواعد التجريم والعقاب (القرارات الجمهورية والوزارية واللوائح) في حدود هذا التفويض. فالجزاء الجنائي لا يُفترض، ولا عقوبة بغير نص يفرضها.

 

القيمة الدستورية لمبدأ شرعية العقوبة الجنائية:

 

حرصت كافة دساتير الدول الحديثة على تأكيد مبدأ شرعية العقوبة الجنائية، ومن ذلك:

 

  • نص المادة (95) من الدستور المصري التي قررت  أأنه: " لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ".
  • نص المادة (38) من الدستور السعودي التي قررت أنه: " لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي ".
  • نص المادة (27) من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة الذي قرر أن: " يحدد القانون الجرائم والعقوبات . ولا عقوبة على ما تم من فعل أو ترك قبل صدور القانون الذي ينص عليها ".
  • نص المادة (20) من دستور دولة البحرين: " لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ".

 


نتائج مبدأ شرعية العقوبة الجنائية بالنسبة للمشرع:

 

مبدأ تحديد العقوبة الجنائية: إن الإيلام الذي تتضمنه العقوبة الجنائية ينبغي أن يكون مقدراً تقديراً دقيقاً ومعلن سلفاً ومعروف للكافة، وبهذا يتحقق تبصير الأفراد وإعلامهم بسوء عاقبة الإجرام والعقوبة التي تنتظرهم حال مخالفة التكليف الجنائي.

 

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع يضع قدر الإيلام على المستوى التشريعي بطريقة مجرَّدة، وفقاً لما يتبناه من معايير عامة في سياستي التجريم والعقاب، وعلى أساس ذلك يتم تكييف العقوبة وتصنيفها بغض النظر عن درجة الإيلام التي يستشعرها المحكوم عليه من الناحية الواقعية.


صفة الوضوح في العقوبة الجنائية: بحيث لابد أن تكون العقوبة الجنائية واضحة وبينة، وعن مضمون صفة التحديد؛ قررت المحكمة الدستورية العليا في مصر أن:

 

" مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المقرر بنص المادة (95) من ‏الدستور القائم، لا يقتضي لزوماً - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ‏الجزاء الجنائي في شأن الأفعال التي أثمها المشرع محدداً تحديداً مباشراً.


بل يكفي ‏أن يتضمن النص العقابي تلك العناصر التي يكون معها هذا الجزاء قابلاً للتحديد، ‏ومعيناً بالتالي من خلالها، فلا يكون الجزاء الوارد به مبهماً، ولا مفضياً إلى التحكم، ‏بل قائماً على أسس حدد المشرع سلفاً ركائزها "

 

نتائج مبدأ شرعية العقوبة الجنائية بالنسبة للقاضي:

 

ويحظر مبدأ الشرعية الجنائية على القاضي الجنائي أن يخرج عن العقوبات التي قررها المشرع للوقائع المطروحة عليه، فهو يطبق هذه العقوبات على وجه الدقة دون زيادة في مقدارها أو نقصان، أو تفرقة بين المخاطبين بأحكامها.


فإن لم يجد القاضي عقوبة مقررة للواقعة المعروضة عليه؛ فليس له إلا أن يحكم بالبراءة، ولا يُقبل منه أبداً أن يخلق عقوبة جديدة بغير نص، أو أن يمد نطاق تطبيقها خارج ما قرره المشرع.

 

كما يفرض مبدأ شرعية العقوبة الالتزام بنهج التفسير الضيق عند تفسير النصوص العقابية وحظر القياس على العقوبات الجنائية فيما لم يرد فيه نص، بل واشترطت المحكمة الدستورية العليا لإعمال قاعدة التفسير الضيق في شأن القاعدة القانونية، أن يكون الجزاء المترتب على مخالفتها " جنائياً ".


وأن مبدأ الشرعية الجنائية يفرض على المشرع بشأن نصوص الجزاء الجنائي أن: " ينتهج الوسائل القانونية السليمة سواء في جوانبها الموضوعية أو الإجرائية لضمان ألا تكون العقوبة أداة عاصفة بالحرية، وأن تكون العقوبة التي يفرضها في شأن الجريمة تبلور مفهوماً للعدالة يتحدد على ضوء الأغراض الاجتماعية التي تستهدفها ".

 

وغني عن البيان؛ انطباق مبدأ حظر الأثر الرجعي لنصوص العقوبات الجنائية، كما هو الحال بشأن نصوص التجريم الجنائي. وقد أكد قانون العقوبات الفرنسي الجديد مبدأ خضوع قواعد التنفيذ العقابي لمدلول شرعية الجرائم والعقوبات من حيث عدم الرجعية بالمادة (122/3).

 

شرعية الجزاء الجنائي, خصائص العقوبة, ضمانات العقوبة الجنائية
مبادئ العقوبة الجنائية: مبدأ شرعية العقوبة الجنائية
مبدأ شرعية العقوبة الجنائية يميزها عن العقوبة المدنية:

 

وإذا كانت قاعدة الشرعية توجب حصراً مسبقاً للعقوبات فضلاً عن حصر الجرائم، وتحديداً مسبقاً لماهية العقوبة نوعاً ولقدرها كماً، فإن مبدأ شرعية العقوبة الجنائية يميزها عن العقوبة المدنية (التعويض عن الفعل الضار) وفقاً لقواعد القانون المدني.

 

فالقاضي المدني لا يتخير لكل فعل ضار في كل دعوى معروضة عليه جزاء مسبق محدد سلفاً، وإنما العقوبة المدنية محددة بصورة إجمالية غير مجزأة، بحيث يرتبط فيها نطاق التعويض بنطاق ما يتحقق من ضرر وهو ما لا يمكن قياسه مسبقاً.

 

أما العقوبة الجنائية فإن المشرع يقدرها سلفاً بناء على جسامة الاعتداء على المصلحة المحمية جنائياً، ثم يحدد العقوبة الجنائية على نحو مجرد تبعاً لما تسفر عنه تلك الموازنة.

 

فالمعيار الحقيقي لدى المشرع عند اختيار العقوبة الجنائية بما تحمله من إيلام للمحكوم عليه وانتقاص من حقوقه هو مدى أهمية المصلحة المشمولة بالحماية الجنائية، وقدر مساس الفعل المحظور بهذه المصلحة وإضراره بها، ودرجة الإذناب لدى الجاني، والتي عبرت عنها جريمته.

 

 

واحة القانون

Law oasis

 

 

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -