ط
أخر الاخبار

الدستور والقانون الجنائي : طبيعة العلاقة بين الدستور وقانون العقوبات

 الدستور وقانون العقوبات:


يمنح الدستور قانون العقوبات الشرعية الدستورية في كافة مراحل تطبيقه، فالدستور هو الذي يحدد أساس شرعية التجريم والعقاب ابتداء بالحرص على إيراد مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في صلب أحكامه.


كما يحدد الدستور شرعية تطبيق قانون العقوبات من خلال الإجراءات الجنائية بما تشمله من ضمانات المحاكمة العادلة " المنصفة "، وأخيراً فإن الدستور يحدد شرعية تنفيذ قانون العقوبات من خلال وسائل التنفيذ.


لذا؛ فإن تلك الشرعية الدستورية تسود كل مراحل تدخل القانون الجنائي منذ وقوع الجريمة حتى محاكمة المجرم وتنفيذ العقاب عليه. كما يعمد الدستور إلى الارتقاء ببعض مبادئ قانون العقوبات إلى مرتبة المبادئ الدستورية.


القانون الجنائي الدستوري, شرعية التجريم والعقاب
الدستور والقانون الجنائي : طبيعة العلاقة بين الدستور وقانون العقوبات


المبادئ الدستورية للتجريم والعقاب:


فقانون العقوبات code pénal يقرر قواعد " فنية " يفترضها تطبيق المبادئ الأساسية للسياسة الجنائية التي تبناها، أو تطبيق الأحكام العامة التي يقوم عليها.


ولكن الدستور يقرر بعد ذلك اتصال هذه المبادئ والأحكام بالحقوق والحريات العامة للمواطنين، أو يرى فيها قيوداً لابد من فرضها على السلطات العامة كي يتخذ التنظيم السياسي للمجتمع الصورة التي يقررها. وبناء على ذلك، فإن الدستور يرتقي بهذه القواعد الجنائية إلى مرتبة المبادئ الدستورية إبرازاً لقيمتها السياسية.

ومثال ذلك:

  • مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الوارد بالمادة (95) من دستور2014، وهو من المبادئ الراسخة في الدساتير المصرية المتعاقبة منذ دستور1923.
  • مبدأ عدم رجعية نصوص التجريم والعقاب أي عدم جواز انصراف آثارها إلى الماضي، وهو ما جاء بالمادة (225) من دستور2014.


وفي مجال الجزاء الجنائي، حرص الدستور أيضاً على أن يمنح بعض قواعد الجزاء الجنائي تلك القيمة الدستورية. ومثال ذلك:


  • مبدأ شخصية العقوبة.
  • ومبدأ قضائية العقوبة الجنائية.


على النحو الوارد بالمادة (95) من الدستور المصري.


طبيعة العلاقة بين الدستور وقانون العقوبات:


ويمكن النظر إلى العلاقة بين الدستور وقانون العقوبات من خلال زاويتين رئيسيتين:


الأولى: أن العلاقة بين الدستور وقانون العقوبات علاقة اتساق وتوافق:


مؤداها أن يتوافر ذلك التناسق بين مواد الدستور بما تحمله من مبادئ وأحكام تستهدف تحقيق الصالح العام وصالح الأفراد دون تجاوز لحقوقهم وحرياتهم من جهة، ونصوص قانون العقوبات التي يجب أن تتكفل بإيجاد الحماية العملية المتوازنة لجميع الاعتبارات والمصالح التي يحرص الدستور la Constitution على حمايتها من جهة أخرى.


فلا يجوز أن يكون هناك تناقض أو تنافر بين مبادئ الدستور وأحكام قانون العقوبات، إذ أن قانون العقوبات أثناء معالجته لمشكلة ما أو حمايته لحق من الحقوق، عليه أن يحافظ على التناسب المطلوب بين جميع المبادئ الدستورية  في مجملها باعتبارها وحدة واحدة.


وهو ما أكدته المادة (227) من دستور2014 التي نصت على أن: " يشكـل الدسـتور بديباجته وجميـع نصوصه نسـيجاً مترابطـاً، وكلاً لا يتجزأ، وتتـكامل أحكامه في وحدة عـضوية متماسكة ".


أما الزاوية الثانية التي يمكن من خلالها بيان العلاقة بين الدستور وقانون العقوبات: أن العلاقة بين الدستور وقانون العقوبات هي علاقة تساند: ويتضح ذلك أثناء تطبيق كل منهما الذي قد يقتضي الرجوع إلى الاخر.


فقد يحيل الدستور صراحة إلى القانون في تطبيق بعض نصوصه، كقول المادة (71) من دستور 2014: " ....، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون ". وعلى ذات النسق، سارت المواد (60، 62) من الدستور.


وفي المقابل؛ قد يقتضي تطبيق القانون الرجوع إلى الدستور الذي يمكن أن يضع حدوداً على تطبيق النص القانوني.


ومثال ذلك المواد (65، 66، 67) من الدستور التي تتعلق بحرية الفكر والرأي وحرية البحث العلمي وحرية الإبداع الفني والأدبي، والتي تعد نصوصها من قبيل أسباب الإباحة التي تفرض قيوداً على نطاق تطبيق بعض نصوص التجريم، وبصفة خاصة النصوص التي تجرم " القذف ".


وقد استحدث دستور 2014 أحكاماً جديدة في هذا السبيل، كعدم جواز تحريك الدعوى الجنائية لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية إلا عن طريق النيابة العامة، وعدم جواز توقيع عقوبة سالبة للحرية بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي (مادة 67 من الدستور).


وكذلك عدم جواز توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية بالنسبة للصحف (مادة 71 من الدستور).

وقد استثنى الدستور جرائم التحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد من إطار تلك الحماية الدستورية لحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة.


المصادر:


  1. د/ أحمد محمد عبد المجيد، دور القضاء الدستوريفي تفعيل الضمانات الدستورية في التجريم والعقاب، القاهرة، المركز القومي للإصدارات القانونية، 2022.
  2. د/ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات (القسم العام)، القاهرة، دار النهضة العربية، 1996، ص10.
  3. د/ عبد الرؤوف مهدي، شرح القواعد العامة لقانون العقوبات، القاهرة، طبعة نقابة المحامين، 2008، ص164،163.
  4. د/ محمود نجيب حسني، الدستور والقانون الجنائي، القاهرة، دار النهضة العربية، 1992، ص4،3.

 

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -