ط
أخر الاخبار

أركان الجريمة: الركن المادي للجريمة: السلوك الإجرامي السلبي : الامتناع

هل يكتمل الركن المادي للجريمة من خلال الفعل السلبي؟


الإجابة نعم؛ حيث لا يقتصر الركن المادي للجريمة الجنائية على السلوك الإيجابي وإنما يمكن  للإرادة الإجرامية أن تحقق النتيجة المؤثَّمة من خلال الامتناع عن إتيان فعل معين أي بـ سلوك سلبي، مما دفع المشرع الجنائي إلى تجريم الامتناع عن تصرفات معينة في بعض الفروض.


ماذا يقصد بالامتناع؟ ما الفرق بين السلوك السلبي والايجابي؟ ما الذي يسبب السلوك الإجرامي؟ ما هي الجريمة الايجابية؟ الجرائم السلبية, الجريمة السلبية
أركان الجريمة: الركن المادي للجريمة: السلوك الإجرامي السلبي : الامتناع


فتقوم بهذا التجريم طائفة جرائم الامتناع أو ما اصطلح على تسميته " الجرائم السلبية "، التي تقوم على امتناع الشخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان الشارع ينتظره منه في ظروف معينة، بشرط أن يوجد واجب قانوني يلزم بهذا الفعل، وأن يكون في استطاعة الممتنع عنه إرادته.


كيف يمكن إثبات السلوك الإجرامي بطريق الامتناع؟


فالامتناع ليس عدماً أو فراغاً، وإنما هو كيان قانوني له وجوده وعناصره التي يقوم عليها. وإذا كان الامتناع من الناحية المادية ظاهرة سلبية فهو من الوجهة القانونية ظاهرة إيجابية، أي أنه موجود قانوني له كيانه وله دلالة خاصة تجاه القيمة المحمية جنائياً بالنظر إلى الظروف التي يقع فيها.


وإذا كان يلزم في جميع الأحوال وفقاً لمبدأ الشرعية الجنائية أن يكون تجريم الامتناع مستنداً إلى نص تجريمي مكتوب، إلا أنه لا يلزم توافر ذات الشرط بشأن المصدر الذي يفرض الالتزام على المكلف بالوفاء به.


وبعبارة أخرى، يستوي أن ينبع ذلك الالتزام من نص مكتوب أو من أي عمل قانوني أو غير قانوني يصلح مصدراً لهذا الالتزام وفقاً للقواعد القانونية العامة: فقد يكون المصدر نصاً عقابياً، كالنص الذي يعاقب على الامتناع عن الإدلاء بالشهادة، أو على امتناع القاضي عن الحكم في الدعوى.


وقد يكون المصدر راجعاً إلى عقد يحمل شخصاً التزاماً محدداً تجاه آخر، كالزام شخص بموجب عقد بتقديم رعاية علاجية أو صحية أو غيرها لآخر في حاجة إليها، كمريض أو قعيد أو عاجز.


وقد يكون المصدر هو الفعل الضار: فمن يشعل حريقاً في آلة على أثر خطأ فني أثناء إصلاحها يلتزم بإطفائه حتى لا تمتد النيران إلى غيرها؛ وقد يكون المصدر راجعاً إلى المبادئ القانونية العامة في مجموعها،

ومن ذلك: الالتزامات التي تقع على الآباء برعاية أبنائهم والقيام على شئونهم، والالتزامات المتبادلة بالرعاية بين الزوجين.


ويترتب على ما سبق أنه إذا كان الواجب الذي يثقل عاتق المكلف مستمداً من مصدر غير قانوني، فإن مخالفته لا تصلح كامتناع تقوم به الجريمة، كما لو كان الامتناع إحجاماً عن تنفيذ محض التزام ديني أو أخلاقي.


كإحجام أحد المارة عن إلقاء نفسه في نهر لإنقاذ آخر يوشك على الغرق، أو عن اقتحام منزل لإنقاذ ساكنيه من الهلاك في حريق شب به.


ما هو الفرق بين السلوك الإجرامي الإيجابي والسلوك الإجرامي السلبي؟


ويلتقي السلوك الإجرامي بالامتناع مع السلوك الإجرامي الإيجابي في ضرورة سيطرة إرادة الفرد على كل منهما، فالإرادة يجب أن تكون هي مصدر الامتناع أو المسلك السلبي للفرد ويجب أن تظل مسيطرة على هذا المسلك السلبي حتى تتحقق النتيجة التي يؤثمها المشرع.


فإذا كان هذا الامتناع ناتج عن انعدام الإرادة لأي سبب كان، فلا يمكن مساءلة الشخص عن مسلكه السلبي لانعدام الصفة الإرادية فيه.


وقد أقرت المحكمة الدستورية العليا تجريم السلوك السلبي بالامتناع في جرائم امتناع الخلف العام والخاص عن إزالة الأعمال المخالفة أو المعيبة، فقد كانت المادة (24) من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء رقم (106) لسنة 1976 تنص على أن:


" يعاقب المخالف بغرامة لا تقل عن جنيه ولا تجاوز عشرة جنيهات عن كل يوم يمتنع فيه عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائي للجنة المختصة من إزالة أو تصحيح أو استكمال، وذلك بعد انتهاء المدة التي تحددها الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بالمجلس المحلي لتنفيذ الحكم أو القرار.


وتتعدد الغرامات بتعدد المخالفات، ولا يجوز الحكم بوقف تنفيذ هذه الغرامة، ويكون الخلف العام أو الخاص مسئولاً عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائي من إزالة أو تصحيح أو استكمال وتبدأ المدة المقررة للتنفيذ من تاريخ انتقال الملكية إليه وتطبق في شأنه الأحكام الخاصة بالغرامة المنصوص عليها في هذه المادة ".


وكان من بين أوجه الطعن الموجهة للمادة سالفة الذكر، أن حكمها يمتد ممن ارتكب الفعل المؤثَّم إلى خلفه العام أو الخاص وهما غير مسئولين عنه، مما يعتبر إهداراً لشخصية المسئولية الجنائية، لعدم وجود فعل مادي ارتكبوه.


إقرار دستورية إقامة الركن المادي للجريمة على السلوك السلبي بالامتناع:


وعلى الرغم من قضاء المحكمة بعدم دستورية حظر وقف تنفيذ عقوبتي الحبس والغرامة بالمادة المذكورة، إلا أنها رفضت الطعن على دستورية تجريم السلوك السلبي بامتناع الخلف العام والخاص عن تصحيح المخالفات.


ورأت المحكمة أن:" ما ينعاه المدعي من مخالفة الفقرة الأولى من المادة (24) المطعون عليها للدستور مردود أولاً: بأن إحداث أعمال بناء معيبة جريمة تستقل بأركانها - ما كان منها مادياً أو معنوياً - عن جريمة الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها.


فبينما تستنفذ الجريمة الأولى موضوعها بعد أن تدخل الجاني إيجابياً ليقيم هذه الأعمال دون تقيد بالنصوص القانونية المعمول بها في شأنها، فإن ثانيتهما تفترض أن يكون الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها - بعد إحداثها - نشاطاً سلبياً قصد به الجاني أن يبقيها على حالها دون تغيير، تنصلاً من إعاشتها على ضوء الشروط البنائية المقررة في شأنها، بما يكفل توافقها معها.


واستقلال هاتين الجريمتين عن بعضهما البعض مؤداه: أن لكل منهما مقوماتها، فلا تتداخلان، ولا تتبادلان مواقعهما، ولا يعتبر الفصل في أيتهما - بالتالي - قضاء في ثانيتهما.


ومردود ثانياً: بأن القرائن القانونية - حتى ما كان منها قاطعاً - هي التي يقيمها القانون مقدماً ويعممها، مستنداً في صياغتها إلى ما هو راجح الوقوع في الحياة العملية، معفياً بها الخصم من التدليل على الواقعة الأصلية مصدر الحق المدعى به،

ناقلاً إثباتها من هذا المحل إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها لدلالتها، فإذا أثبتها الخصم، اعتبر ذلك إثباتاً للواقعة الأصلية بحكم القانون.


ولا كذلك النص المطعون فيه، فليس ثمة واقعة أبدلها المشرع بغيرها لتحل محلها، بل تتحقق جريمة الامتناع عن تصحيح عيوب البناء أو إزالتها، بتوافر أركانها التي لا إعفاء لسلطة الاتهام من إثباتها بكاملها.


أحكام المحكمة الدستورية العليا بشأن جرائم الامتناع:


وقـد أكدت المحـكمة الدسـتورية العـليا ذات المبدأ في قـضاء لاحق، قررت فيه دستورية نصوص القانون رقم (49) لسنة 1977 بشأن إيجار الأماكن، والمعدل بالقانون رقم (136) لسنة 1981،

حين قررت مسئولية " مالك العقار" بصـفته عن أعمال الترميم والصيانة، بما يـفيد انتـقال تـلك الـملكية للـخلف العام، ومـسئولية هذا الأخير - حال المخالفة - عن جريمة امتناع.


كما أقرت المحكمة دستورية إقامة الركن المادي للجريمة على السلوك السلبي بالامتناع في حكم حديث لها قضت فيه بأن:


" الامتناع عن تسليم القوائم المالية للهيئة العامة لسوق المال في المواعيد القانونية يعد نشاطاً سلبياً قصد به الجاني التنصل من الالتزام القانوني الذي فرضه المشرع على نحو آمر، بما ينتفي معه معنى التجهيل بأركان هذه الجريمة أو افتراض المسئولية الجنائية بالنسبة لها ".


وقررت بناء على ذلك؛ رفض الطعن على دستورية الفقرة الأولى من المادة (65 مكررا) من قانون سوق رأس المال رقم (95) لسنة 1992.


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -