أخر الاخبار

مصادر القانون الجنائي I مقدمة في القانون الجنائي العام والخاص

 ما هي مصادر القانون الجنائي؟


يترتب على خضوع القانون الجنائي لمبدأ الشرعية الجنائية واعتناق النظم الجنائية الحديثة لقاعدة أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، اقتصار مصادر القانون الجنائي على المصادر التي تحددها الدولة وحدها دون غيرها.


مصادر القاعدة الجنائية, مصادر النصوص الجنائية, مصادر القانون الجنائي
مصادر القانون الجنائي I مقدمة في القانون الجنائي العام والخاص


وتتولى الدولة مهمة تحديد الجرائم والعقوبات من خلال قوانين تصدرها السلطة التشريعية كأصل عام يضاف إليه بعض مصادر التجريم والعقاب الاستثنائية لتكون جميعها مصادر القانون الجنائي، وتلك المصادر في القانون الجنائي هي:

 

  • القانون بالمعنى الضيق (التشريع الصادر عن مجلس الشعب أو النواب).
  • القرارات الصادرة عن رئيس السلطة التنفيذية في حالات محددة.
  • الأوامر التي يصدرها رئيس الدولة أو من يقوم مقامه في حالات الطوارئ.
  • اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية وفقاً للضوابط الدستورية للتفويض التشريعي.
  • اللوائح التي تصدرها جهات الإدارة المركزية واللامركزية المشار إليها بقانون العقوبات.
  • مدى اعتبار المعاهدات الدولية من مصادر القانون الجنائي.

 

ويتناول الموضوع النطاق القانوني الشرعي لكل مصدر من مصادر القانون الجنائي وذلك على النحو التالي:

 

القانون : مبدأ انفراد التشريع بوضع نصوص القانون الجنائي :

 

كنتيجة مباشرة لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات؛ يجب أن يكون المصدر الأول والمباشر من مصادر القانون الجنائي وما يتضمنه من أوامر ونواهي هو القانون (التشريع) الصادر عن السلطة التشريعية وفقاً لاختصاصها الأصيل بهذا الأمر.

 

وهو اختصاص دستوري أصيل يعهد به الدستور للسلطة التشريعية وحدها حتى تكتسب نصوص قانون العقوبات الشرعية الدستورية لنصوص التجريم والعقاب. كما أنه اختصاص مقيد لا يجوز للسلطة التشريعية التخلي عنه أو التفويض فيه إلا بقيود.

 

ويعرف ذلك بمبدأ انفراد التشريع في التجريم والعقاب، فالقانون المكتوب وحده هو الذي يحدد الأفعال المعتبرة جرائم وهو الذي يحدد العقوبات المقررة لها، ولذلك فالتشريع يأتي في صدارة مصادر القانون الجنائي بوجه عام.

 

هل تملك السلطة التشريعية حرية مطلقة في التجريم والعقاب؟

 

بالطبع فالإجابة لا يمكن أن تكون إلا بالنفي حيث ينبغي دائماً على السلطة التشريعية ألا تسرف في التجريم والعقاب، وألا تجرم سلوك ينطوي على ممارسة لحق أو حرية كفلها الدستور، وألا تعاقب لحماية مصلحة لا تهم غالبية المجتمع ولا تعبر عنه.

 

وقد عبر المجلس الدستوري الفرنسي عن ذلك المعنى حين قرر أن: " المشرع يتولى تعريف الجرائم وتحديد أركانها ولا يجب أن يكون متعسفاً ". وبشكل عام يجب أن يتوافر في الفعل محل التجريم عدة خصائص في مقدمتها:

 

  1. أن يكون الفعل منطوياً على درجة واضحة من الخطورة التي تكشف عن إثم الفاعل.
  2. أن يكون الفعل ضاراً بمصلحة اجتماعية أو حقوق فردية مهمة لها اعتبارها.
  3. أن يكون الفعل متجاوزاً لممارسة الحقوق والحريات المسموحة في المجتمع.

 

ويكتمل ذلك بوضع المشرع الجنائي العقوبة المناسبة في طبيعتها ومقدارها للفعل المرتكب، وذلك التناسب من خلال عقوبة - ليست قاسية مفرطة وليست هينة ضعيفة - هو الذي يضبط ميزان العدالة.

 

دور اللائحة في التجريم والعقاب:


هل تعتبر اللوائح من مصادر القانون الجنائي ؟

 

دور اللوائح في القانون الجنائي
دور اللائحة في التجريم والعقاب


على الرغم من أن الأصل هو مبدأ انفراد التشريع هو المصدر الأول من مصادر القانون الجنائي إلا أن هذا المصدر يوجد إلى جانبه بعض المصادر الاستثنائية للقواعد الجنائية وأول هذه المصادر هي اللوائح في حدود معينة.

 

فالدساتير عادة تمنح السلطة التنفيذية الحق في إصدار لوائح تتضمن نصوصاً جنائية تتعلق بالتجريم والعقاب إلا أن ذلك مشروط بتفويض يصدر من السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية في هذا الشأن. ريعرف ذلك بـ " التفويض التشريعي ".

 

وبناء على ذلك تعتبر اللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية من مصادر القانون الجنائي بناء على تفويضها في هذا الشأن من جانب سلطة التشريع في الحدود المسموحة دستورياً مع الالتزام الكامل بحدود هذا التفويض وعدم تجاوزها.

 

أما عن الحكمة التشريعية من منح السلطة التنفيذية الحق في إصدار لوائح تتضمن نصوص جنائية تتمثل في التالي:

 

  • تحقيق تعاون السلطات في الدولة وتساندها والتخفيف من حدة مبدأ الفصل بين السلطات.
  • تفسير وتفصيل القواعد والمبادئ التي قد تكون وردت عامة ومجملة في نصوص القانون.
  • وضع القواعد والضوابط اللازمة لتنفيذ أحكام القانون.


ولذلك تقوم اللائحة بدور مكمل للقانون يكفل حسن تطبيقه ويغنيه عن الخوض في مسائل فنية دقيقة تتعلق بتفاصيل متشعبة ومتناثرة.

 

حدود اللائحة الصادرة عن السلطة التنفيذية في مسائل التجريم والعقاب:

 

وفقاً للنصوص الدستورية التي منحت المشرع الجنائي الحق في التفويض التشريعي للسلطة التنفيذية في وضع نصوص التجريم والعقاب، يمكن استخلاص ضوابط ممارسة السلطة التنفيذية لهذا الحق على النحو التالي:


  1. اللائحة لا تمارس التشريع ابتداء ولا بصفة أصلية: أي أن اللائحة لا تتولى بشكل أساسي تنظيم موضوع ما تشريعياً وإنما هي مكملة للقانون الأصلي الذي صدر لمعالجة وضع ما.
  2. اللائحة لا تملك تعديل القانون ولا إلغاء لأحكامه: أي أن اللائحة لا تملك تغيير نطاق التجريم والعقاب الوارد في القانون الأصلي لتنتقل به إلى صورة لم يقصدها المشرع في القانون. أي يجب أن تحافظ اللائحة على حدود القانون الأصلية.
  3. اللائحة يجب أن تلتزم دائماً بأن تكون صادرة من صاحب الصفة في السلطة التنفيذية المختص قانوناً بممارسة التفويض التشريعي وفقاً لنص القانون: فإذا فوض القانون أحد أعضاء السلطة التنفيذية فلا يجوز لهذا الأخير التفويض فيما تم تفويضه فيه.

 

والضوابط السابقة هي شروط لصحة اللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية قانونياً ودستورياً لإمكان اعتبار اللائحة من مصادر القانون الجنائي.

 

هل تعتبر المعاهدات والاتفاقيات الدولية من مصادر القانون الجنائي ؟

 

تكتسب أحكام المعاهدة الدولية وأسلوب صياغتها أهمية خاصة في مجال القانون الجنائي، بالنظر إلى الذاتية الخاصة التي يتميز بها هذا القانون.

 

هل تعتبر المعاهدات الدولية من مصادر القانون الجنائي؟
دور المعاهدات الدولية في القانون الجنائي والتجريم والعقاب

وذلك سواء من حيث اعتباره أحد المظاهر الهامة التي تعبر عن سيادة الدولة في أجَلّ معانيها، أو من حيث أنها تعكس سياسة التجريم والعقاب التي ترسمها الدول في سبيل حماية سيادتها وأمنها وأمن أفرادها وحرياتهم.

 

ولهذا، كان أقصى دور يمكن أن تتبوأه المعاهدة الدولية في مجال التجريم والعقاب هو تحديد شق التكليف فقط من القاعدة الجنائية دون شق الجزاء.

 

أما بالنسبة لقواعد الإباحة أو الإعفاء أو التخفيف من العقاب، فإن المعاهدة الدولية يمكن أن تكون مصدراً مباشراً للقوانين الجنائية الداخلية، لأن قواعد الإباحة أو الإعفاء أو التخفيف لا تحتاج ذات التحديد الذي تتطلبه قواعد التجريم والعقاب.

 

وتلتزم الدولة من خلال سلطتها التشريعية بتنفيذ التزامها الدولي المعقود بمقتضى الاتفاقية الدولية بما يتفق مع مبدأ الشرعية الجنائية، الأمر الذي يتعين معه على التشريع الوطني أن يورد نصوصاً واضحة عن تعريف الجريمة وأركانها وعقوباتها.


ولذلك، تظل الاتفاقية الدولية التي لا تتكفل نصوصها بتحديد الجرائم والعقوبات، مصدراً غير مباشر للتجريم والعقاب، وإنما يكون التشريع الوطني وحده هو المصدر إذا أدمج الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية وعاقب عليها داخل التشريع.

 

ويستفاد من ذلك؛ أن الغلبة لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في مواجهة الاتفاقيات الدولية، طالما أن نصوصها لم تترجم بعد من خلال تشريع داخلي لتصبح مصدراً مباشراً للتجريم والعقاب.

 

كما أن نصوص المعاهدات والمواثيق الدولية لا تصلح - كأصل عام - لأن تكون مناطاً لرقابة دستورية نصوص التجريم والعقاب طالما أن التشريع لا يخالف نصّاً دستورياً، فلا يمكن النعي على دستورية نص قانوني لمخالفته اتفاقية دولية.

 

خاتمة: كانت هذه هي مصادر القانون الجنائي وقواعد التجريم والعقاب والتي تتلخص في التشريع والقانون الصادر عن رئيس الدولة واللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية.

 

المصادر:

  1. د/ علي عبد القادر القهوجي، المعاهدات الدولية أمام القاضي الجنائي، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، 1997.
  2. د/ أحمد فتحي سرور، القانون الجنائي الدستوري، القاهرة، دار الشروق.

 

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -