ط
أخر الاخبار

عدم جواز تعدد العقوبات عن الفعل الواحد

مبدأ عدم جواز تعدد العقوبات عن الجريمة الواحدة:

إذا كان مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة التي توقع من أجلها يفرض قاعدة التوازن بين الجريمة والعقوبة المقررة لها، فإن القاعدة الثانية التي يفرضها مبدأ التناسب ويكتمل بها هي مبدأ عدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الفعل مرتين.

عدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الفعل مرتين, عدم جواز المعاقبة عن ذات الفعل مرتين, عدم جواز المعاقبة عن ذات الفعل مرتين, عدم جواز معاقبة الشخص أكثر من مرة على فعل واحد
عدم جواز تعدد العقوبات عن الفعل الواحد

وهو أحد المبادئ الجنائية الهامة على المستويين الدولي والداخلي، والتي حرص القضاء الدستوري على احترامه والتقيد به دون أي تردد أو استثناءات، رغم عدم النص عليه مباشرة في مواد الدستور، باعتباره من المبادئ التي لا تحتاج إلى نص دستوري يقررها لكونه من مفترضات دولة القانون.

وإنكار مبدأ عدم جواز المعاقبة عن ذات الفعل مرتين يهدم كافة الضمانات الدستورية في مجال التجريم والعقاب، ويفسد منظومة العدالة الجنائية برمتها. ولذلك فالجريمة الواحدة لا تستوجب المحاكمة والعقاب عليها إلا مرة واحدة.

مبدأ عدم جواز المحاسبة عن نفس العفل مرتين في القانون الجنائي المصري:

على الرغم من عدم النص صراحة على المبدأ في مدونة قانون العقوبات؛ إلا أنه يمكن استخلاص تطبيقات المبدأ بسهولة من نصوص قانون العقوبات، ومن ذلك: نص المادة الرابعة من قانون العقوبات المصري.

حيث قررت أنه في حالة تبرئة الشخص أو محاكمته وعقابه من جانب أي محكمة أجنبية عن جريمة ما، فإنه لا يجوز محاكمته عن ذات الجريمة بواسطة المحاكم المصرية.

كما تقضي المادة (454) من قانون الإجراءات الجنائية بأن:

" تنقضي الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه والوقائع المسندة فيها إليه، بصدور حكم نهائي فيها بالبراءة أو بالإدانة. وإذا صدر حكم في موضوع الدعوى الجنائية، فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن في هذا الحكم بالطرق المقررة في القانون ".

كما ورد المبدأ في البند (7) من المادة (14) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي قررت أنه: " لا يجوز تعريض أحد مجدداً للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي وفقاً للقانون وللإجراءات الجنائية في كل بلد ".

فانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم بارتكاب جريمة ما، يعني أن الدولة استوفت رد فعلها تجاه الجريمة ومرتكبها، ويمتنع عليها إعادة ملاحقته عن ذات الفعل من جديد.

مفهوم مبدأ حظر العقاب عن ذات الفعل أكثر من مرة:

وفي مضمون المبدأ، تقول المحكمة الدستورية العليا أنه:

" من بين الحقوق الوثيقة الصلة بالحرية الشخصية عدم جواز معاقبة الشخص أكثر من مرة على فعل واحد. وهذه القاعدة الأخيرة - التي كفلتها النظم القانونية جميعها، وصاغتها المواثيق الدولية باعتبارها مبدأً مستقراً بين الدول - مردها أن الجريمة الواحدة لا تزر وزرين.

وأنه وإن كان الأصل أن يفرد المشرع لكل جريمة العقوبة التي تناسبها، إلا أن توقيعها في شأن مرتكبها واستيفاءها، يعني أن القصاص قد اكتمل باقتضائها. وليس لأحد بعدئذ على فاعلها من سبيل.

ولا يجوز من ثم، أن يتعرض الشخص لخطر ملاحقته باتهام جنائي أكثر من مرة عن الجريمة عينها، ولا أن تعيد الدولة بكل سلطاتها ومواردها محاولتها إدانته عن جريمة تدعي ارتكابه لها ولو من خلال خطورة إجرامية تعتبرها جريمة في ذاتها، وتلحقها به.

لأنها إذ تفعل، فإنما تبقيه قلقاً مضطرباً، مهدداً بنزواتها، تمد إليه بأسها حين تريد ".

التطبيقات القضائية للمحكمة الدستورية العليا بشأن المبدأ:

قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم (11) لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم (91) لسنة 1996، والتي كانت تنص على أنه:

" مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يقضي بها قانون آخر، يعاقب على التهرب من الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويحكم على الفاعلين متضامنين بالضريبة والضريبة الإضافية وتعويض لا يجاوز مثل الضريبة ".

ورأت المحكمة أن:

" الأصل في صور الجزاء ألا تتزاحم جميعها على محل واحد بما يخرجها عن موازين الاعتدال، وألا يتعلق جزاء منها بغير الأفعال التي تتحد خواصها وصفاتها، بما يلائمها.

وإذ كانت الجزاءات الواردة في النص المطعون عليه تنقسم إلى قسمين رئيسيين في ضوء الأغراض التي توخاها المشرع من تقريرها أولهما: عقوبات جنائية بحتة هي الحبس والغرامة وقد استهدف المشرع من تقريرها تحقيق الردع العام والخاص.

والأخرى: يتحقق بحرمان الجاني من حريته أو من جزء من ملكه، وهو الإيلام المقصود من العقوبة بوجه عام، فهما عقوبتان جاءت كل عقوبة منها ذات حدين أدنى وأقصى يُعمل القاضي سلطته في إيقاع القدر المناسب منها في كل حالة على حدة.

ومن ثم، تكون هاتان العقوبتان قد جاءتا متناسبتين مع الفعل المنهي عنه، كما جاءت العقوبتان بالقدر اللازم لحمل المدين بدين الضريبة على الإقرار عن مبيعاته والوفاء بالضريبة المستحقة في مواعيدها، من غير غلو أو إسراف.

وثاني تلك الجزاءات التي أوردها النص المطعون عليه هي العقوبات التي تجمع بين فكرتي الجزاء والتعويض، وهي التي أوجب النص المطعون عليه الحكم بها وتتمثل في إلزام المحكوم عليه بأداء الضريبة والضريبة الإضافية وتعويض لا يجاوز مثل الضريبة.

وحيث أن الشق الأول من العقوبة والمتعلق بأداء الضريبة أمر لا مطعن عليه إذ أن هذه الضريبة هي محور النزاع وأساسه وهي أصل جريمة التهرب وبنيانها.

أما الضريبة الإضافية فقد استهدف بها المشرع أمرين: أولهما: تعويض الخزانة العامة عن التأخير في تحصيل الضريبة عن الآجال المحددة لها قانوناً. وثانيهما: ردع المكلفين بتحصيل الضريبة عن التقاعس في توريدها للمصلحة، وحثهم على المبادرة إلى إيفائها.

ومن ثم؛ فإن هذا الجزاء يكون قد برئ من شبهة العسف والغلو، وجاء متناسباً مع جسامة الفعل المنهي عنه.

وحيث أن المشرع أوجب بالنص المطعون فيه الحكم على الممول المتهرب بتعويض لا يجاوز مثل الضريبة إذ ورد النص بعبارة " ويحكم على الفاعلين متضامنين "، ولا يملك القاضي إزاء هذا الوجوب إلا أن يقضي بهذا التعويض في جميع الحالات.

وذلك بالإضافة إلى الجزاءات الجنائية المحددة بالنص المطعون عليه والتي تتمثل في الحبس أو الغرامة أو هما معاً، لتتعامد هذه الجزاءات جميعها على فعل واحد هو مخالفة أي بند من البنود الواردة بنص المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات رقم (11) لسنة 1991.

متى كان ذلك، وكان التعويض المقرر بالنص المطعون فيه على سبيل الوجوب، إضافة إلى تعامده مع الجزاءات الجنائية التي تضمنها النص ذاته على فعل واحد وهو التهرب من أداء الضريبة العامة على المبيعات.

سواء كان هذا التهرب ناتجاً عن سلوك إيجابي أم سلبي، ناشئاً عن عمد أم إهمال، متصلاً بغش أم تحايل، أم مجرداً منهما، فإنه يعد منافياً لضوابط العدالة الاجتماعية ومخالفاً للدستور.

وبناء على ما تقدم؛ حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم (11) لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم (91) لسنة 1996 فيما تضمنته من وجوب الحكم على الفاعلين متضامنين بتعويض لا يجاوز مثل الضريبة ".

حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم (66) لسنة 1963 المستبدلة بالقانون رقم (160) لسنة 2000:

كانت المادة (122) سالفة الذكر تنص على أنه:

" مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر، يعاقب على التهريب أو الشروع فيه بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ويحكم على الفاعلين والشركاء متضامنين بتعويض يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة، فإذا كانت البضائع موضوع الجريمة من الأصناف الممنوعة أو المحظور استيرادها كان التعويض معادلاً لمثلي قيمتها أو مثلي الضرائب المستحقة أيهما أكثر.

وفي جميع الأحوال يحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب فإذا لم تضبط يحكم بما يعادل قيمتها ".

وبعد أن أقرَّت المحكمة الجزاءات الواردة بالفقرتين الأولى والثانية من المادة المذكورة، ورأت تناسب كل منهما مع جريمة التهرب الجمركي، قررت المحكمة بشأن الفقرة الثالثة التي تقرر عقوبة المصادرة الوجوبية أن:

" مفاد هذا النص أنه يتعين الحكم بالمصادرة في جرائم التهريب أو الشروع فيها أو ما يعادل قيمة البضائع موضوع التهريب إذا لم تضبط بالإضافة إلى الجزاءات الجنائية المحددة بالنص المطعون عليه والتي تتمثل في الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين.

بالإضافة إلى التعويض الذي يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة، لتتعامد هذه الجزاءات جميعها على فعل واحد هو مخالفة نص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية.

كما أن المصادرة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من النص المطعون عليه، أو الحكم بما يعادل قيمة البضائع موضوع التهريب حال عدم ضبطها قد تقررت على سبيل الوجوب، وقد تعامدت مع الجزاءات الجنائية التي نصت عليها الفقرتان الأولى والثانية من النص ذاته على فعل واحد.

مما يعد مخالفة لأحكام المواد (35، 54، 94) من الدستور، فإن هذا الجزاء يعد منافياً لضوابط الدولة القانونية ".

 

وفي فرنسا: قرر المجلس الدستوري الفرنسي - بعد اعترافه بالمبدأ - أن مبدأ عدم جواز المحاكمة عن ذات الفعل مرتين يتعلق بالمحاكمات الجنائية، وأن المساءلة الجنائية عن الفعل لا تمنع أن يسأل الشخص عن ذات الفعل إدارياً أو تأديبياً.

وفي حالة تقرير عدة عقوبات على ذات الفعل نتيجة لذلك؛ فلا يجوز أن يتجاوز إجمالي العقوبات الحد الأقصى للعقوبة الأشد بينهم.

مبدأ عدم جواز تعدد العقوبات عن الفعل الواحد في قضاء المحكمة العليا الأمريكية:

كما أكدت المحكمة العليا الأمريكية من خلال أحكامها على قاعدة عدم جواز المحاكمة على ذات الفعل مرتين.

وقضت بأن معاقبة صاحب إحدى الشركات التي تقدم خدمات إعادة التأهيل الصحي على المستوى الاتحادي بالتنسيق مع الحكومة، نتيجة لقيامه بتقديم 65 مطالبة سداد كاذبة للحكومة، بالسجن وغرامة مقدارها خمسة آلاف دولار،

إضافة إلى العقوبة المدنية التي يفرضها القانون المحلي للولاية بمبلغ (2000.00 دولار) عن كل مطالبة من المطالبات المزورة والتي يبلغ عددها (65) مطالبة، فضلاً عن ضعف مبلغ الأضرار الفعلية للحكومة البالغ (585) دولاراً تكاليف العمل،

يشكل انتهاكاً للدستور، ومعاقبة للشخص بعقوبة جديدة عن جريمة سبق وأن أدين من أجلها.

وفي المقابل؛ قضت المحكمة العليا الأمريكية بأن: الغرامات المالية التي يوقعها مكتب مراقبة العملات لا تمنع من محاكمة الشخص جنائياً عن الأفعال التي ارتكبها، حتى لو كان الغرض منها ردع الجناة ومعاقبتهم.

لأن هذه الغرامات لا يتوافر لها خصائص العقوبة الجنائية ولا يعتبر توقيعها على الشخص إلى جانب محاكمته جنائياً محاسبة عن ذات الفعل مرتين بالمخالفة للتعديل الخامس للدستور الأمريكي.

كما أكدت المحكمة العليا ذات الرأي بشأن المصادرة المدنية، وبشأن كافة الالتزامات المدنية التي يمكن توقيعها إلى جانب العقوبات الجنائية، فجميعها لا تعتبر محاسبة عن ذات الفعل مرتين.

وفي ذات الاتجاه؛ قررت المحكمة العليا الأمريكية أن إدانة شخص بجريمة حيازة سلاح ناري بموجب قانون الولاية، لا يحول دون ملاحقته قضائياً عن ذات الفعل على المستوى الاتحادي، تأسيساً على مبدأ السيادة المزدوجة.

وانتهى رأي الأغلبية إلى عدم وجود تعارض بين هذا القضاء، والتعديل الخامس للدستور الأمريكي.

كما اعتنقت المحكمة العليا الأمريكية ما يسمى بمعيار " " black burg الذي اعتبر أن هذا الضمان لا يحمي المتهم من توجيه الاتهام إليه مرة أخرى عن جريمة تحتوي على عنصر لم تتضمنه الجريمة السابقة.

وأكدت المحكمة العليا الأمريكية سنة 1993 هذا المعيار، واعتبرته أساساً لتحديد مدى شرعية الاتهامات اللاحقة للحكم. ولا يغير من ذلك أن تكون عناصر الجريمة الجديدة قد تضمنتها الجريمة التي صدر بشأنها الحكم السابق.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -