ط
أخر الاخبار

القصد الجنائي I الركن المعنوي في الجرائم العمدية I قضايا جنائية

القصد الجنائي هو أساس الجرائم العمدية:


تقوم الجرائم العمدية على القصد الجنائي، الذي يعني علم الجاني بكافة العناصر المكونة للبنيان القانوني للجريمة، واتجاه إرادته إلى تحققها جميعاً ليكتمل بذلك الركن المعنوي للجريمة. ويتناول الموضوع تطبيقات المحكمة الدستورية العليا والمحكمة العليا الأمريكية في هذا الشأن.


اركان الجريمة, الركن المعنوي للجريمة, الجرائم العمدية, القصد الجنائي, أحكام القضاء الدستوري في الجرائم العمدية, المحكمة العليا الأمريكية, قضايا جنائية
القصد الجنائي I الركن المعنوي في الجرائم العمدية I قضايا جنائية


فينبغي أن ينصرف علم الجاني إلى موضوع الحق أو المصلحة المشمولة بالحماية الجنائية، وخطورة فعله عليها، وملابسات الفعل من ظروف زمان ومكان ارتكابه وكذلك المفترضات الأولية للجريمة، إذا كان النص القانوني يقيم لها وزناً في التجريم.


ثم يستلزم القصد الجنائي أن يتوافر لدى الجاني عنصر " الإرادة " والتي هي نشاط نفسي يرمي إلى تحقيق غرض معين عن طريق السلوك الذي أتاه الجاني.


مفهوم القصد الجنائي المطلوب لقيام الركن المعنوي للجريمة العمدية:


وتؤكد المحكمة الدستورية العليا أنه: " في مجال تقدير توافر القصد الجنائي، فإن المحكمة لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام، التي قام الدليل عليها قاطعاً واضحاً، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها، عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها ".


كما يؤكد المجلس الدستوري الفرنسي على ضرورة وجود العنصر الذهني في الجريمة الجنائية، حيث لا يتصور وجود جريمة دون وجود نية ارتكابها.


كما اشترطت المحكمة العليا الأمريكية وجود عنصر عقلي في الجريمة الجنائية يتمثل في نية ارتكابها، وأوضحت أن الجريمة الجنائية هي مفهوم مركب من توافق العقل الآثم واليد الآثمة.

وأن القوانين الجنائية حين تصمت عن ذكر النية الإجرامية في الجرائم الجنائية، فإن محاكم الولايات عليها ألا تفهم من هذا الإغفال أن السلطة التشريعية تعني استبعاد شرط أن تجد هيئة المحلفين " نية إجرامية ".

بل إن ذلك دليل على أن القصد متأصل جداً في هذه الجرائم للدرجة التي تغني عن ذكره بتلك التشريعات.


هل يجوز افتراض القصد الجنائي في نص التجريم؟


إلا أن التشريعات الجنائية المقارنة تلجأ في حالات كثيرة إلى افتراض القصد الجنائي بنصوص صريحة. وقد لوحظ في دراسة هذه الحالات أن الافتراض يرجع في بعض منها إلى حيازة أشياء معينة، ويرجع في بعضها الآخر إلى موقف معين أوجد المتهم نفسه فيه.


وقد كان للمحكمة الدستورية العليا العديد من التطبيقات القضائية التي حرصت من خلالها على تأكيد ضرورة توافر القصد الجنائي للجرائم العمدية بكامل أركانه على وجه التحديد واليقين، وعدم جواز الاستعاضة عن عناصر القصد الجنائي بقرائن قانونية أياً ما كان مبناها.

ويمكن تناول تلك التطبيقات القضائية من خلال النقاط التالية:


أولاً: عدم دستورية نص المادة (121) من قانون الجمارك رقم (66) لسنة 1963:


كانت الفقرة الثانية من المادة (121) من قانون الجمارك رقم (66) لسنة 1963 المضافة بالقانون رقم (75) لسنة 1980، والمعدل بالقرار بقانون رقم (187) لسنة 1986 تنص على أن:

" يعتبر في حكم التهريب حيازة البضائع الأجنبية بقصد الإتجار مع العلم بأنها مهربة، ويفترض العلم إذا لم يقدم من وجدت في حيازته هذه البضائع بقصد الإتجار المستندات الدالة على أنها قد سددت عنها الضرائب الجمركية ....".


وحين عرض أمر دستورية المادة سالفة البيان على المحكمة الدستورية العليا، قررت المحكمة أن:

" جريمة التهريب الجمركي من الجرائم العمدية التي يعتبر القصد الجنائي ركناً فيها، وكان الأصل هو أن تتحقق المحكمة بنفسها وعلى ضوء تقديرها للأدلة التي تطرح عليها من علم المتهم بحقيقة الأمر في شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة وأن يكون هذا العلم يقيناً لا ظنياً أو افتراضياً.

وأن النص التشريعي المطعون فيه بعد أن قرر أن حيازة البضائع الأجنبية بقصد الإتجار فيها مع العلم بأنها مهربة يعتبر في حكم التهريب الجمركي، نص على أن هذا العلم يفترض إذا لم يقدم حائز البضائع الأجنبية بقصد الإتجار المستندات الدالة على سبق الوفاء بالضريبة المستحقة عنها.

وبذلك أحل المشرع واقعة عدم تقديم الحائز المذكور لتلك المستندات محل واقعة علمه بتهريب البضائع التي يحوزها بقصد الإتجار فيها منشئاً بذلك قرينة قانونية يكون ثبوت الواقعة البديلة بموجبها دليلاً على ثبوت واقعة العلم بالتهريب،

وةالتي كان ينبغي أن تتولى النيابة العامة بنفسها مسئولية إثباتها في إطار التزامها الأصيل بإقامة الأدلة المؤيدة لقيام كل ركن يتصل ببنيان الجريمة، ويعتبر من عناصرها، بما في ذلك القصد الجنائي العام ممثلاً في إرادة الفعل مع العلم بالوقائع التي تعطيه دلالته الإجرامية ".


ثانياً: عدم دستورية نص المادة (15) من القانون رقم (68) لسنة 1976 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة:


كان القانون رقم (68) لسنة 1976 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة - المعدل بالقانون رقم (34) لسنة 1977، والقانون رقم (3) لسنة 1994 - بعد أن حدد بمادته الأولى المعادن الثمينة والمشغولات والأصناف والأحجار التي تسري عليها أحكامه، نص في مادته الخامسة عشر على أنه:

" إذا كانت المعادن وغيرها مما هو منصوص عليه فيه، واردة من الخارج، فلا يجوز سـحبها من الجمارك أو البريد إلا إذا كانت مدموغة بدمغة أجنبية معترف بصحتها وفقاً للمادة الثانية من هذا القانون، فإذا قدمت إلى مصلحة دمغ المصوغات والموازين مباشرة،

وجب على مقدم هذه الأصناف إثبات دخولها البلاد بطريقة مشروعة، فإذا لم يتم ذلك وجب على المصلحة قـبل قيامها بفحصها وتحديد عيارها ودمـغها، إبلاغ الأمر لجهات الاختصاص مع التحفظ على الأصناف المشار إليها وإثبات شخصية مقدمها لحين التصرف فيها بمعرفة الجهات المذكورة.


ومن خلال الطعن على دستورية المادة سالفة الذكر، قررت المحكمة الدستورية العليا أن: " مؤدى النص المطعون فيه - في أجزائه التي تتعلق بها مصلحة المدعي - أن التقدم مباشرة إلى الجهة الإدارية المختصة بمشغولات ذهبية لفحصها وتحديد عيارها ودمغها، يفترض دخولها مصر عن غير طريق البريد أو المنافذ الجمركية، وهو ما يعني تهريبها إليها ".


وحيث ان تقديم مشغولات ذهبية مباشرة إلى الجهة الإدارية المختصة من أجل دمغها، لا يفيد بالضرورة عبورها الحدود الإقليمية لجمهورية مصر العربية عن غير طريق منافذها التي ترصد في محيطها البضائع الواردة، وتقدر مكوسها.


كذلك فإن عدم تقديم حائزها الدليل على دخولها إلى مصر بطريق مشروع لا يفيد سبق تهريبها بنشاط أتاه، ولا علمه بتهريبها لو أن غيره كان مسئولاً جنائياً عن التحايل على النظم الجمركية المعمول بها.


إنما هي السلطة التشريعية ذاتها التي تتخذ بنفسها من احتمال الوقوع في التهريب سنداً لفرض قيود على حرية تداول الأموال التي تقدر تعلقها أو ارتباطها بمحل هذه الجريمة؛ حال أن المعادن الثمينة شأنها شأن غيرها من البضائع الواردة،

تحكمها قاعدة مبدئية مفادها أن البضائع التي يتم التعامل فيها فيما وراء الحدود الخارجية للدوائر الجمركية، يفترض مرورها عبرها وتحصيل مكوسها أثناء وجودها في نطاقها، ثم خروجها منها بعد استيفائها لإجراءاتها.


يؤيد ذلك أن جريمة التهريب الجمركي من الجرائم العمدية التي لا يجوز افتراضها، ولا تتوافر أركانها إلا بإرادة ارتكابها. ولا تعتبر الشبهة التي تحيطها عملاً مادياً أتاه جانٍ؛ ولا اتهاماً جنائياً تتساند فيه القرائن، بل تصوراً راجحاً أو مرجوحاً.

وهي بذلك إلى الظن أدخل، وإلى التوهم أدنى، ومن اليقين أبعد. ولا محل بالتالي لإسنادها إلى من يتعاملون في بضائع فيما وراء الحدود الخارجية للدائرة الجمركية، ذلك أن نقلها بعد خروجها منها، وكذلك حيازتها ممن لا يقوم الدليل على اتصالهم بتهريبها، عمل جائز قانوناً.

والقول باحتمال أن يكون حائزها عندئذ مهرباً، ادعاء بلا دليل لا ينقض افتراض البراءة، ولا يجهض ما هو مفترض من سبق أداء مكوسها ".


ثالثاً: عدم دستورية نص الفقرة الثانية من البند "1" من المادة الثانية من القانون رقم (48) لسنة 1941 بقمع التدليس والغش قبل تعديلها بالقانون رقم (281) لسنة 1994:


كانت المادة الثانية من القانون رقم (48) لسنة 1941 بقمع التدليس والغش - قبل تعديلها بالقانون رقم (281) لسنة 1994 - تنص على ما يلي:

" يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين:

(1) من غش أو شرع في أن يغش شيئاً من أغذية الإنسان أو الحيوان أو من العقاقير أو من الحاصلات الزراعية أو الطبيعية معداً للبيع، أو من طرح أو عرض للبيع أو باع شيئاً من هذه الأغذية أو العقاقير أو الحاصلات، مغشوشة كانت أو فاسدة، مع علمه بذلك.

ويفترض العلم بالغش أو الفساد، إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة، أو من الباعة الجائلين، ما لم يثبت حسن نيته، ومصدر الأشياء موضوع الجريمة ".


فالمشرع من خلال النص سالف الذكر، قد أقام قرينة قانونية افترض بمقتضاها علم التاجر أو البائع الجائل بغش الأغذية التي يعرضها للبيع أو فسادها إذا لم يثبت حسن نيته، ومصدر الأشياء موضوع الجريمة.


بيد أن المحكمة الدستورية العليا كان لها رأى آخر، فقررت أن:

" النص المطعون فيه بعد أن أفصح عن أن جريمة غش الأغذية أو عرض أغذية مغشوشة أو فاسدة للبيع جريمة عمدية، باشتراطه العلم بغش المادة موضوعها أو فسادها، نص على أن هذا العلم يفترض في جانب المشتغلين بالتجارة أو الباعة الجائلين، ما لم يثبت المخالف حسن نيته ومصدر الأشياء موضوع الجريمة.

وبذلك أحل المشرع توافر صفة معينة في المتهم محل واقعة علمه بغش أو فساد ما يعرضه من أغذية، منشئاً بذلك قرينة قانونية يكون ثبوت الواقعة البديلة بموجبها، دليلاً على ثبوت واقعة العلم بغش أو فساد السلعة.

والتي كان ينبغي أن تتولى النيابة العامة بنفسها مسئولية إثباتها في إطار التزامها الأصيل بإقامة الأدلة المؤيدة لإسناد الجريمة بكامل أركانها إلى المتهم؛ وبوجه خاص: " القصد الجنائي العام " ممثلاً في إرادة إتيان الفعل، مع العلم بالوقائع التي تعطيه دلالته الإجرامية.

وبمقتضى النص محل الطعن؛ أضحت النيابة العامة غير مكلفة بإقامة الدليل على هذا العلم؛ وغدا نفيه عبئاً ملقى على عاتق المتهم مثلما هو الشأن في القرائن القانونية.


ذلك أن المشرع هو الذي تكفل باعتبار الواقعة المراد إثباتها ثابتة بقيام القرينة القانونية؛ وأعفى النيابة العامة بالتالي من تقديم الدليل عليها.

إذا كان ذلك؛ وكان الأصل في القرائن القانونية بوجه عام هي أنها من عمل المشرع، وهو لا يؤسسها أو يحدد مضمونها إلا على ضوء ما يكون في تقديره غالباً أو راجحاً في الحياة العملية.

وكانت القرينة القانونية التي تضمنها النص المطعون فيه - وحتى بافتراض جواز إعمال القرائن القانونية في المجال الجنائي - تنافي واقع الحياة العملية، وما يتم فيها في الأغلب.

ذلك أن هذه القرينة تتعلق ببضائع شتى متنوعة المصادر، يجرى التعامل فيها عبر حلقات متعددة، منذ خروجها من يد منتجها أو جالبها إلى أن تصل يد عارضها الأخير؛ ويتم تداولها والتعامل فيها على امتداد حلقاتها هذه؛

وبافتراض خضوعها لنظم الفحص والرقابة التي تفرضها التشريعات المختلفة؛ وتقوم على تنفيذها الجهات الحكومية المختصة في منابعها، سواء داخل مصادر إنتاجها المحلية؛ أو قبل تجاوزها الدائرة الجمركية حال جلبها.


ولازم ما تقدم؛ أن عدم إثبات عارض السلعة الغذائية وما جرى مجراها لمصدرها، لا يفيد بالضرورة علمه بغشها أو بفسادها، كما أن تكليفه بإثبات حسن نيته باعتباره من المواطنين الشرفاء الذين يتعاملون في تلك السلع وفق أصول المهنة ومقتضياتها، لا يعدو أن يكون أمراً عسراً ومُتميعاً في آن واحد.


ومن ثم؛ لا ترشح الواقعة البديلة التي اختارها النص المطعون فيه - وفي الأعم الأغلب من الأحوال - لاعتبار واقعة العلم بغش السلعة أو فسادها ثابتة بحكم القانون؛ ولا تربطها علاقة منطقية بها.

 وتغدو هذه القرينة بالتالي مقحمة لإهدار افتراض البراءة، ومفتقرة إلى أسسها الموضوعية؛ ومجاوزة لضوابط المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور.


رابعاً: عدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (154) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم (53) لسنة 1966:


كانت الفقرة الأولى من المادة (154) من قانون الزراعة المشار إليه، تقضي بأن يعاقب على مخالفة حكم المادة (150) من هذا القانون بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسين ألف جنيه عن كل فدان أو جزء منه من الأرض موضوع المخالفة.

وتنص فقرتها الثانية على أنه إذا كان المخالف هو المالك، وجب ألا يقل الحبس عن ستة أشهر. وإذا كان المخالف هو المستأجر دون المالك، وجب الحكم أيضاً بإنهاء عقد الإيجار، ورد الأرض إلى المالك.

وعملاً بالفقرة الثالثة - المطعون عليها - يعتبر مخالفاً في تطبيق هذا الحكم، كل من يملك أو يحوز أو يشترى أو يبيع أتربة متخلفة عن تجريف الأرض الزراعية أو ينزل عنها بأية صفة أو يتدخل بصفته وسيطاً في شيء من ذلك، ويستعملها في أي غرض،

إلا إذا أثبت أن التجريف كان صادراً طبقاً لأحكام المادة (150) من هذا القانون والقرارات التي تصدر تنفيذاً لأحكامه.


وكان جوهر الطعن هو عقاب المشرع لمن يملك أو يحوز أو يشتري أو يبيع الأتربة المتخلفة عن تجريف الأرض الزراعية ولو لم يكن عالماً أنها نتيجة التجريف المجرم بالقانون.


وقالت المحكمة الدستورية في ذلك أن:

" الجريمة محل الاتهام من الجرائم العمدية التي يعتبر القصد الجنائي ركناً فيها، والمشرع افترض بالفقرة الثالثة من المادة (154) المطعون عليها، علمهم بالوقائع التي أثمها، وأنهم أحاطوا بدلالتها الإجرامية، واتجاه إرادتهم - فوق هذا - إلى العدوان على حق يحميه القانون.

وهو بعد، افتراض اعتبره المشرع قائماً بالنسبة إلى المخاطبين بالفقرة الثالثة جميعهم، وفي كل أحوالهم، وأياً كان القصد الجنائي لأيهم، وهو مـا يعني عقـابهم ولو كـانوا لا يـعلمون حقـاً بأن الأتربة التي اتصلوا بها - وفقاً لحكم هذه الفقرة - ناجمة عن أرض زراعية جرى تجريفها لغير الأغراض التي تتعلق بتحسينها وصونها.

معفياً النيابة العامة بذلك من واجبها في إثبات هذا العلم، ناقلاً عبء نفيه إلى المتهم مناقضاً بذلك القواعد التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة، وفى مقدمتها أصل البراءة التي فطر الإنسان عليها ".


خامساً: عدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (25) من قرار نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والأمن الغذائي رقم (517) لسنة 1986 بشأن ذبح الحيوانات وتجارة اللحوم:


كانت الفقرة الثانية من قرار نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والأمن الغذائي رقم (517) لسنة 1986 تنص على أنه: " وتعتبر أجزاء الذبائح، الغير مختومة بخاتم المجزر الرسمي، والمعروضة للبيع، غير صالحة للاستهلاك الآدمي، ويتعين إعدامها ".


وتم الطعن على دستورية هذه الفقرة تأسيساً على افتراضها عدم صلاحية أجزاء الذبائح المعروضة للبيع - وغير المختومة بخاتم المجزر الرسمي - للاستهلاك الآدمي، وكذلك افتراض علم عارضها للبيع بفسادها وبذلك يكون هذا النص قد مسَّ الحرية الشخصية.


وقدَّرت المحكمة الدستورية العليا أن:

" الأصل في الذبائح هو خلوها من أمراضها أو مما يخرجها بوجه عام عن طبيعتها. والأمر العارض هو انتفاء سلامتها وتعييبها ولا يكون ذلك إلا بالوسائل العلمية وحدها يباشرها أهل الخبرة والمتخصصون. وما ذلك إلا حملاً على قاعدة أصولية ثابتة مفادها أن الأصل في الصفات العارضة العدم ".


وقد نقض المشرع بالقرينة التي أحدثها ما يفترض أصلاً في الذبائح، وهو صلاحية استهلاكها آدمياً. وكان يجب على النيابة العامة - وهي تدعي خلاف الأصل - أن تقيم الدليل على ادعائها.

إلا أن النص المطعون فيه أعفاها من التزامها هذا، وأحلها كذلك من التدليل على توافر القصد الجنائي في الجريمة محل الاتهام، فالتهمة التي نسبتها النيابة العامة إلى المتهم تقوم على عرضه للبيع شيئاً فاسداً من أغذية الإنسان مع علمه بذلك.

وكان الافتراض المقرر بالفقرة الثانية المطعون عليها، مبناه قرينه قانونية أحل بها المشرع واقعة عدم ختم الذبائح المعروضة للبيع بالخاتم الرسمي، محل مادية الأفعال محل الاتهام وإرادة ارتكابها مع العلم بالوقائع التي تعطيها دلالتها الإجرامية.

ليكون ثبوت الواقعة البديلة دالاً على وقوع الجريمة في ماديتها، واقترانها بالقصد الجنائي، فإن النص المطعون فيه يكون معفياً للنيابة العامة من التزامها الأصيل بالتدليل على قيام كل ركن يتصل ببيان الجريمة، ويكون من عناصرها ".


سادساً: عدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (19) من القانون رقم (1) لسنة 1994 في شأن الوزن والقياس والكيل:


كانت المادة (19) من القانون رقم (1) لسنة 1994، في شأن الوزن والقياس والكيل، تنص على أن:

" يعاقب بالحبس مـدة لا تقل عن ثلاثـة أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استعمل أو حاز بقصد الاستعمال لغرض البيع أجهزة أو آلات أو أدوات وزن أو قياس أو كيـــل مـزورة أو غير صحيحة أو مدموغة بطريقة غير مشروعة مع علمه بذلك.


ويفترض علم الحائز بذلك إذا كان من المشتغلين بالتجارة أو من الباعة أو من المشتغلين بصناعة أو إصلاح تلك الأجهزة أو من الوزَّانين المرخص لهم أو من أمناء شئون البنوك أو المخازن ما لم يثبت العكس ".


وبمناسبة الطعن على دستورية المادة سالفة البيان، قدَّرت المحكمة الدستورية العليا أن:

" جريمة حيازة أو استعمال أدوات وزن أو قياس غير صحيحة أو مزورة من الجرائم العمدية التي يعتبر القصد الجنائي ركناً فيها، وكان الأصل هو أن تتحقق المحكمة بنفسها، وعلى ضوء تقديرها للأدلة التي تطرح عليها، من علم المتهم بحقيقة الأمر في شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة.


وأن يكون هذا العلم يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً، وكان الاختصاص المقرر دستورياً للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها - وعلى ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا - لا يخولها التدخل بالقرائن التي تنشئها لغل يد المحكمة الجنائية عن القيام بمهمتها الأصيلة في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التي عينها المشرع إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات.


وكان النص المحال قد حدد واقعة بذاتها جعل ثبوتها بالطريق المباشر دالاًّ بطريق غير مباشر على العلم بالواقعة الإجرامية، مقحماً بذلك وجهة النظر التي ارتآها في مسألة يعود الأمر فيها بصفة نهائية إلى محكمة الموضوع،

وذلك لاتصالها بالتحقيق الذي تجريه بنفسها تقصياً للحقيقة الموضوعية عند الفصل في الاتهام الجنائي؛ وهو تحقيق لا سلطان لسواها عليه، ومآل ما يسفر عنه إلى العقيدة التي تتكون لديها من جماع الأدلة المطروحة عليها.


إذ كان ذلك؛ فإن المشرع إذ أعفى النيابة العامة - بالنص المحال - من إثباتها لواقعة بذاتها تتصل بالقصد الجنائي وتعتبر من عناصره، هي واقعة علم المتهم بعدم صحة أدوات القياس أو الكيل التي يستخدمها، أو فسادها، حاجباً بذلك محكمة الموضوع عن تحقيقها؛ وعن أن تقول كلمتها بشأنها؛

وبعد أن افترض هذا العلم بقرينة لا محل لها، ونقل عبء نفيه إلى المتهم، فإن عمله هذا يعد انتحالاً لاختصاص كفله الدستور للسلطة القضائية، وإخلالاً بمبدأ الفصل بينها وبين السلطة التشريعية؛ ومناقضاً كذلك لافتراض براءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه في كل وقائعها وعناصرها ".


ويلاحظ على جميع الطعون الدستورية السابقة، أنها تعلقت بمواد تقرر التجريم الجنائي عن جرائم عمدية، بيد أنها أسَّست الركن المعنوي في تلك الجرائم على قرائن قانونية تستند إلى واقعة معينة أو صفة في المتهم، بدلاً عن توافر القصد الجنائي بعنصريه (العلم والإرادة) ثبوتاً يقينياً في حق المتهم.

فاتخذ القضاء الدستوري موقفاً حازماً في مواجهة كل هذه الصور، رافضاً ذلك المنحى في التجريم الجنائي.


القصد الجنائي في الجرائم العمدية لدى المحكمة العليا الأمريكية:


وقد رفضت المحكمة العليا الأمريكية الإدانة عن الجرائم العمدية التي لم يتوافر بشأنها القصد الجنائي اللازم لاكتمال عناصرها، وأكدت أنه لا يمكن مساءلة الشخص عن جريمة عمدية كالتزوير دون إثبات علمه بأن الأوراق التي يحملها مزورة.


كما رفضت إدانة أحد الأشخاص بتهمة تحويل الممتلكات الحكومية إلى نفسه والتربح منها لأنه قام بتجميع فوارغ قنبلة مستنفذة من نطاق تفجير للقوات الجوية، وباعها كخردة بمقابل نقدي، وكان يعتقد بصدق - وفقاً لظروف الحالة - أنه قد تم التخلي عنها.


ورأت المحكمة الأمريكية العليا أن " الضرر لا يمكن أن يشكل جريمة إلا إذا ارتكبته نية، وأن الشخص لابد أن يعتزم ارتكاب جريمة حتى تكون هناك جريمة ".


وقضت أيضاً بأنه: لابد وأن يكون الشخص عالماً بأن المواد التي يتعامل فيها " أملاح للجسم " هي مواد خاضعة للرقابة ويحظر القانون التعامل فيها للاستخدام البشري، حتى يمكن محاكمته عن انتهاك ذلك القانون.


كما أوضحت المحكمة العليا الأمريكية أن: تعمد ارتكاب الجرائم بناء على وجود حالة ذهنية آثمة لدى الفرد هو المعيار الذي يتم على أساسه التفريق بين الأبرياء ومستحقي العقاب.

   

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -