ط
أخر الاخبار

اركان الجريمة I الركن المعنوي للجريمة

ماهية الركن المعنوي للجريمة:


من المسلم به أنه لا يكفي لعقاب الجاني أن يقترف ماديات ما (الركن المادي للجريمة)، وإنما يلزم فوق ذلك أن يتوافر " عنصر" آخر له طبيعة إرادية أو نفسية أو معنوية يربط بين الجاني وتلك الماديات.


الركن المعنوي في الجريمة, القصد الجنائي, الخطأ غير العمدي, الجرائم العمدية, الجرائم غير العمدية
اركان الجريمة I الركن المعنوي للجريمة


ويتمثل هذا العنصر في " الإرادة الإجرامية " التي يجب أن تتوافر لدى الجاني على النحو الذي يتطلبه القانون، حتى يمكن الاعتداد بقيمتها القانونية، وإقامة الركن المعنوي للجريمة تأسيساً عليها. وتكون الإرادة كذلك حين تكون واعية مميزة ومدركة، حرة تملك الاختيار.


التمييز وحرية الاختيار هما جوهر الركن المعنوي للجريمة:


والتمييز هو المقدرة على فهم ماهية الفعل وطبيعته وتوقع الآثار التي من شأنه إحداثها. وهذه المقدرة تنصرف إلى ماديات الفعل فتتعلق بكيانه وعناصره وخصائصه، وتنصرف كذلك إلى آثاره من حيث ما ينطوي عليه الفعل من خطورة على المصلحة أو الحق الذي يحميه القانون، وما ينذر به من اعتداء.


أما حرية الاختيار: فهي مقدرة الجاني على تحديد الوجهة التي تتخذها إرادته، أي مقدرته على دفع إرادته في وجهة بعينها من الوجهات المختلفة التي يمكن أن تتخذها.


فحين تكتمل الإرادة الإجرامية على النحو السابق، يمكن القول بأنها أصبحت " آثمة " توافر بشأنها ما يعرف بالإذناب أو " الإثم الجنائي " الذي هو جوهر الركن المعنوي للجريمة، ويحتوي على لوم شخصي موجه إلى مرتكب الفعل بسبب الاختيار الذي قام به بين مخالفة القانون أو احترامه.


أما إذا فقدت الإرادة الإجرامية عنصري التمييز وحرية الاختيار - أحدهما أو كلاهما - تجرَّدت من القيمة القانونية، وترتب على ذلك عدم صلاحيتها لأن توصف بأنها إرادة إجرامية، وبالتالي عدم صلاحيتها لاحتواء الركن المعنوي للجريمة.


ويتحقق ذلك إذا ما لحق بتلك الإرادة مانع من موانع المسئولية، سواء جرَّد هذا المانع الإرادة من عنصر التمييز (كصغر السن، أو الجنون وعاهة العقل، أو الغيبوبة الناشئة عن سكر غير اختياري)، أو جرَّدها من عنصر حرية الاختيار (كحالات الإكراه المادي والمعنوي).


الركن المعنوي للجريمة يقوم على القصد الجنائي في الجرائم العمدية:


ويتطلب الركن المعنوي للجريمة في معناه الفني الدقيق، ضرورة أن يتخذ الإثم الجنائي في الجرائم العمدية - وهي الأصل في الجرائم - صورة القصد الجنائي، مرتكزاً على عنصري العلم والإرادة.


أي علم الجاني بكافة العناصر المكونة للجريمة واتجاه إرادته إلى تحقيقها، أو صورة الخطأ غير العمدي القائم على إخلال الشخص بواجب قانوني بالحذر والحيطة، في الجرائم الغير عمدية.


يمكن القول بشكل عام أن الركن المعنوي هو الإرادة الإجرامية التي ثبت إثمها من خلال اتجاهها إلى ماديات الجريمة بغرض تحقيق النتيجة الإجرامية.


وهو ركن أساسي في الجريمة الجنائية لا قيام للمسئولية الجنائية بدونه، فالأصل أنه لا مسئولية بدون إرادة آثمة. وتأخذ هذه الإرادة الآثمة صورة القصد الجنائي في الجرائم العمدية، وصورة الخطأ في الجرائم غير العمدية.


وتقول المحكمة الدستورية العليا في وصف الركن المعنوي للجريمة أن: " الأصل في الجرائم أنها تعكس تكويناً مركباً باعتبار أن قوامها تزامناً بين يد اتصل الإثم بعملها، وعقل واعٍ خالطها ليهيمن عليها محدداً خطاها، متوجهاً إلى النتيجة المترتبة على نشاطها ".


الركن المعنوي للجريمة يقوم على الخطأ في الجرائم غير العمدية:


الجرائم غير العمدية:هي تلك الجرائم التي يتجه فيها سلوك الجاني إلى الفعل دون النتيجة المترتبة عليه، فهي التي تقوم على عنصر " الخطأ "، فتجرم سلوك الإنسان، حين يخل بواجب الحذر والحيطة الذي يـفرضه القانون، وفقاً لمعيار الـشخص المعـتاد متـوسط الـحـرص والحذر.


ويترتب على ذلك نتيجة إجرامية كان في الاستطاعة درؤها. ويستلزم اكتمال نموذج تلك الجرائم أن تتحقق النتيجة، إذ لا مكان للشروع في نطاقها. كما أن القانون الجنائي لا يفترض الخطأ، بل يتطلب إثباته.


والأصل في الجرائم أن تكون عمدية، والاستثناء أن تكون غير عمدية. وينبني على ذلك أنه لا عقاب على جريمة بوصف غير عمدي إلا إذا نص القانون على ذلك، فلا يكفي أن يصدر إهمال عن شخص وأن يفضي ذلك إلى نتيجة ضارة لكي يسأل المخطئ عن جريمة غير عمدية.

وإنما يلزم أن يكون قد ورد نص خاص يجرم ذلك الإهمال، تطبيقاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.


وليس في قانون العقوبات جريمة اسمها (جريمة الإهمال) بهذا الوصف، وإنما يختار المشرع صوراً خاصة من الإهمال تفضي إلى نتائج مادية محددة يقدر خطورتها فيجعل من المساس بها بإهمال جريمة محددة ذات وصف محدد.


مثال ذلك: القتل والجرح الخطأ (المادتان 238، 244عقوبات). ولذلك؛ فإن الحالات المنصوص فيها على الجرائم غير العمدية استثنائية ويتعين عدم القياس عليها.


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -